"مدائن من ذهب"
فمن يدفع الثمن؟
إن
من تأمل في حال مجتمعنا اليوم يجد كثرة الخصومات والنزاعات، والهجر
والمقاطعات، حتى بين الأصحاب والأحباب، والأقارب والإخوان، وربما بين
الوالد وولده والجار وجاره، وقد يكون من أجل دنيا دنية، وأشياء تافهة وسوء
نية، ففي البيوت أسرار وخفيات، وفي المحاكم خصومات ومعضلات.
فمن يدفع الثمن؟
بقلم:سارة العمري
كاتبة سعودية
وإن الذي بيني وبيَن بَني أبي *** وبين بني عمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِدَّا.
فإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومهم *** وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا.
وكثيرا ماتزيد هذه المشاحنات عند إجتماع الأقارب في الإجازات.
لماذا
لا تكون الإجازة والبعد عن أعباء العمل، وأجواء الدراسة، فرصة لتصفية
النفوس، ودعوة للتسامح والصلح، وتنقية القلوب من الغل والحقدِ، وتجنب ما
يوغر الصدور ويورث العداوة؟
لماذا لا نستغل هذه
التجمعات، لترسيخ الأُخوة والمحبة، ونشر ثقافة العفو والصفح عن الأخرينن؟
فلا يوجد في الحياة مايستدعي كل هذه الأحقاد والخصومات، فكلنا راحلون.
وإليكم هذا الحديث الذي والله أبكاني وهز كياني.
عن
أنس إبن مالك -رضي الله عنه- قال: قال:رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
"رجلان من أمتى جثيا بين يدى رب العزة، فقال أحدهما: يارب خذ لى مظلمتى من
أخى. فقال الله تبارك وتعالى للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته
شىء؟ قال: يارب فليحمل من أوزاري".
فقال الله تعالى
للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع بصره فقال: يا رب، أرى مدائن من
ذهب وقصوراً مكللة باللؤلؤ، لأيِّ نبىٍّ هذا؟ أو لأيِّ صديقٍ هذا؟ أو لأى
شهيد هذا؟ قال: لمن أعطى الثمن. قال: يارب ومَن يملك ذلك؟. قال: أنت تملكه.
قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك. قال: يارب إنى قد عفوت عنه. قال الله:
فخذ بيد أخيك وأدخله الجنة".
إن الشر لا يُطفأ بالشر، ولكن يُطفأ بالخير.
فلا تُدفع الإساءة الا بالإحسان، فلابد من التنازل، ولين الجانب، فالكريم وإن خاصم، لا يحقد ولايفجر، بل يقبل الصلح، ويقيل العثرة.
إن الكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، تطفئ نار الحقد، وتلم الشمل، وإن سلامة الصدر، والتماس العذر، راحة للقلب ورضى للرب.
فأين الراغبون في الخير المحبون للسلام؟ أين النبلاء والعقلاء؟ إين كرماء الأخلاق والنفوس؟
إين أصحاب الفطنة والفهم؟
ليدركوا إن هناك الشامتون والحاقدون، الذين يهمسون ويتغامزون، وللأخبار يتتبعون، ولنار الفتنة يوقدون.
حتى كثر الإفساد بين الناس، بالغيبة و النميمة، والقيل والقال، ونشر الأسرار، وبالنفاق والتدليس، وإيهام كل طرف بإنه صاحب الحق.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير....".
سامِحْ أخاك إذا خلَطْ *** منه الإصابةَ بالغلَطْ.
وتجافَ عن تعنيفِهِ *** إن جار يوما أو قسط.
من ذا الذي ما ساء قطّْ؟ *** ومن له الحسنى فقط؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق