الاثنين، 12 أكتوبر 2015

"صمت الرحيل أبلغ من كلام المواساة.!"

"صمت الرحيل أبلغ من كلام المواساة.!"     

بقلم: سارة العمري

  
 إن فقد الأولاد ، فلذات الأكباد ، ثمرات القلوب ، مِن أعظم المصائب ، التي تصيب الإنسان في حياته ، فهي والله نار في الفؤاد ، وحرقة في الأكباد ، لهذا كان ثواب الصبر على فقدهم عظيم ، وأجره في الميزان ثقيل.
  
وقد ترقرت عيناي بالدموع، وتجددت في قلبي الشجون، وأنا أشاهد خالي الحبيب، بثبات عظيم يتلقى التعازي في وفاة ابنه محمد.
شامخا كطود عظيم وجبل أشم، نتعلم منه الاحتساب والصبر والقوة، في مواجهة المصائب والأمور الجسام، ويا لكبر فقده وعِظم مصيبته.

بيد أن المؤمن الصابر موعود بحديث رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم :
(إذا مات ولد العبد قال الله عز وجل لملائكته : قبضتم ولد عبدي.؟
فيقولون : نعم . فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول : ماذا قال عبدي.؟
فيقولون حمدك واسترجع . فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد(

يا لها من بشارة عظيمة، أن يُبنى لك بيت في الجنة، يا لها من بشارة عظيمة، أن يبشرك الرسول الكريم بالنجاة من النار وولوج الجنان.



خالي الغالي: نعلم إن مصابك في محمد عظيم، وفراقك له مرير، وقد والله تألمنا لألمك،  وحزنا لحزنك، ومهما قلنا فلن تسعفنا العبارات ولن تكفينا الكلمات، لمواساتك والتخفيف من مصابك، فصمت الرحيل أبلغ من كلام المواساة، وقلب الأب المكلوم لايعلم مابه من حزن الا الله.
وكأني بك وأنت تقرأ كلامي هذا تهز رأسك قائلاً:
يا صبر أيوبَ محتاجٌ لك القلبُ**ويادمعَ يعقوبَ عيني دمعُها سُحْبُ.
فهل “قميصٌ”من المحبوبِ يُرجع لي**نورَ الحياةِ لأمضْيّ باقيَ الدّربُ.؟!

وهنا أقول:
إن مما يهون عليك مصيبتك ويشعرك بالرضا، بعد رحمة الله تعالى، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الآنف؛ هي تلك المُثل العُليا التي ربيت الفقيد الغالي عليها، والسيرة العطرة التي تركها يرحمه الله وأسكنه فسيح الجنان.

شهد البعيد قبل القريب لمحمد بالخير والتربية الصالحة، والبرّ بك وبأمه، والرفق بأخوته وصلته بقرابته.

شهد له الجيران بحسن الجوار، والمحافظة على الصلاة في المسجد، وقد قال من لاينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم:- ( إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ )

كما شهد له أصحابه وزملاؤه، بحسن الخلق ولين الجانب وطيب الصحبة.

وقد بشر المصطفى صلى الله عليه وسلم - من اتصف بهذه الصفات بقوله: ( إن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيامَةِ: أَحَاسِنَكُم أَخلَاقً )
وشهد له جماعته وأقاربه، بالسيرة الطيبة والصفات الحميدة.

ويكفيه لينام قرير العين، راضياً برضاك عنه بعد رضى الله تعالى، شهادتك له وأنت تحكي لنا عنه، بحنان الأب واعتزازه بإبن باراً خلوقاً عطوفاً، 
فنطقت دموعك قبل لسانك بقولك:  لقد كان محمد- رحمه الله- يدخل البهجة والسرور علينا جميعاً، ويغمر الكل بكرمه ولطفه وطيب معشره.!

 قَذىً بعينكَ أم بالعينِ عُوّارُ ** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدارُ
كأن عيني لذكراهُ إذا خطرت ** فيضٌ يسيلُ على الخدينِ مِدرارُ


ومما يفرح به القلب ويُرفع به الرأس، ذلك العقب الطيب للأصل الطيب، فمن خلّف لم يمت، وقد رأينا أولاد محمد - رحمه الله- كالكواكب المضيئة، جمالاً وأدباً، وحسن تربية، وهذا ليس بمستغرب فالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.!
أقر الله بهم عينك وجعلهم خير خلف لخير سلف.

خالي ووالدي الحبيب:
تدهمنا جميعاً المصائب والكروب، وتتغشانا الأزمات والخطوب، ولكنها الثقة برحمة الله، واستمداد العون منه، ليظل مثلك الجبل الشامخ الذي لاتهزه الريح العاتية.

ولتبقى لنا تلك الشجرة الوارفة الظلال التي نسير تحت كنفها ونستظل جميعاً بظلها.

 وستبقى القدوة والرمز، والمثل الأعلى على الدوام، فأنت البقية الباقية من رائحة الأحبة، وأنت بعد الله الركن الشديد،  والصدر الحنون الذي نأوي إليه ونرتمي بين يديه، إذا حلت بنا النوائب أو نزلت بنا النوازل. 

الخميس، 3 سبتمبر 2015

البحر أمامهم والموت خلفهم

البحر أمامهم والموت خلفهم


بقلم : سارة العمري




 


شاهدت ليلة البارحة كما شاهد الملايين غيري، صورة الطفل السوري ابن الثلاثة أعوام، وهو مسجى على شاطئ البحر، وقد قضى غرقاً بعدما فرت به عائلته من جور وظلم الطاغية بشار، فتلقاهم البحر بغدره وابتلعهم بأمواجه الهائجة.
فاصبحوا "كالمستجير من الرمضاء بالنار".

 ذهبتُ بعدها للنوم، ولكن صورة ذلك الطفل لم تغادر مخيلتي، أغمضت عينيّ فرأيته أمامي، ففتحتهما فلم تفارق صورته خيالي، وكأنني أسمع صوته في أذني وهو وسط الأمواج يقول:

ستبحر الروح بين الموج هائمة
تحط في شاطئ الأحلام مرساتي

لكن مجدافي المكسور يخذلني
واليم يأخذني في موجه العاتي

يضمني البحر في عينيه يسألني
هدير أمواجه عن لون مأساتي

وجدت يابحر ألآمي تؤرقني
وتعكس اليأس في أحداق مرآتي

وتزدريني جراح العمر في ألمٍ
لترسم الحزن في أعماق لوحاتي

فإن تلاشت بليل الحزن أغنيتي
فسوف تبعثها في الكون أبياتي.

كأنني بذلك الطفل وهو يلتفت حوله، وينظر لعالمنا المتلاطم الأمواج، كذلك البحر الذي ابتلعه دون رحمة أو شفقة، فلم يجد إلا ظلمات فوقها ظلمات، فلم تعد الأنوار والمصابيح تجدي شيئاً بعدما أنطفأت شمس البراءة، بغرق طفولته في مهدها، وإزهاق نفسه البريئة التي لاذنب لها.

دمعة ألم وحرقةٌ وانكسار في عينيه، أحساس بجرح غائر في صدره، ألف علامة تعجب تدور في رأسه !!!!!!
ِلمَ تُغتال طفولتي وتنتهك البراءة و تزول الرحمة من قلوبكم أيها العالم ؟
ماذا جنيت كي أشرد في القفار، وأهيم على وجهي في غياهب البحار.؟!

لقد قضى الطغاة على كل شيء جميل في عالمي، فحولوه إلى جحيم لايطاق، وتفننوا بقتل الفرحة في قلوبنا فمحوا من وجوهنا الإبتسامة، وجعلوا من دموعنا بحوراً أغرقتنا، قبل أن نغرق في هذه الأمواج العاتية .!

ألا يعلم هولاء القتلة بأن الأطفال هم زهور الحياة وزينتها، من يقطفهم كمن قطف كل زهور الأرض وحرم الدنيا من رياحينها والقلوب من بهجتها.؟

ألا يدرك هذا الطاغية أن الكرسي الذي يجلس عليه فخوراً متبختراً، أصبح ملوثاً بدم الآف الأطفال، الذين ذهبوا ضحية تسلطه واجرامه.؟

الا تعيرون للطفولة احترامها يا من تغتالونها، فتدعونها تنعم بالأمن والسلام، والعطف والحنان، فتعيش عالمها الوردي بعيداً عن كل خوف ونائية عن كل صراع.؟

سُحقاً لعالم يعطي للحيوان حقوقه، ويحفظ للنبات بيئته، ويحافظ على الجماد ويخلد تاريخه، ولايراعي للطفل أي حق، فهو يُذبح في كل مكان على مرأى ومسمع من العالم أجمع ولابواكي له.

فنزيف الدم لايزال مستمراً، وبراميل الموت كل يوم في مزيد، الأطفال والنساء والشيوخ يذبحون ويشردون، فلم يتعب الجزار، ولم يخرج الصامتون عن صمتهم، ولم يستيقظ النائمون من سباتهم.!
فأي قلوب تلك التي لاتتفطر أمام اغتيال البراءة والطفولة، ولاتشفق لأنفس تزهق صباح مساء ليس لها قوة ولا حيلة؟

لاشك أنها قلوب كالحجارة، أو أشدُ قسوة..!

الأربعاء، 1 أبريل 2015

سلمان..أية عزة منحتنا إياها ؟!"

سلمان..أية عزة منحتنا إياها ؟!"

بقلم: سارة العمري

"من يضمن لي موت عبدالله، أضمن له خروج المهدي وتطهير الحرمين الشريفين من الوهابيين.!"

لطالما سمعنا كلب "قم"  النباح علي الكوراني، يردد تكهناته هذه مراراً وتكراراً ببروده المستفز وابتسامته الصفراء، مما جعل أتباعه ينتفشون وينخدعون، ويسعون جاهدين لتمهيد الطريق أمام مسردبهم المزعوم.!

رحل الملك الصالح الصادق عبدالله بن عبدالعزيز _رحمه الله_  بعد أن سعى جاهداً لمد جسور المحبة والتسامح والسلام، لجميع دول العالم بمافيها ايران، ولكن حقدهم الدفين وثأرهم القديم، أعمى بصائرهم قبل أبصارهم.

وبعد تولي الملك الصارم سلمان بن عبدالعزيز _حفظه الله_ مقاليد الحكم في البلاد، ومبايعة الأسرة والشعب واجماعمهم على السمع والطاعة له ولوليا عهده، أغاضهم هذا الإجماع وذلك التلاحم وأقض مضاجعهم، بعد أن راهنوا على اختلاف الأسرة وانقلاب الشعب ونهاية الدولة، فخيب الله ظنهم ورد كيدهم في نحورهم.

ثم انقلبت أحلامهم إلى كوابيس وتكهناتهم إلى سراب، بعد أن أعلن سلمان العزم سرعة الحسم، فكانت عاصفة الحزم خير برهان على كسب الرهان وقلب السحر على الساحر، مما سيجعل الكوراني يراجع كتب خرافاتهم لمعرفة من خدعه من ملاليهم، ويبحث في سراديب "سامراء" المظلمة عن أثاراً لمهديهم.!

نعم أتى حزم سلمان بعد حلم وطول صبر، ليشرح لهم عملياً معنى "اتقوا شر الحليم إذا غضب".
أتى حزم سلمان ليقول لهم:

"أخا طهران" فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا،،،وأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِينا.
بِأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضاً،،،و نُصْدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رَوِينا.


أتى حزم سلمان ليقطع ذنب الأفعى في "صعدة" ويقضي على سمها الزعاف في "صنعاء" فينكسر رأسها المتبختر في "طهران" ويرتدع فرخها المنفوش في "الضاحية الجنوبية".!

أتى حزم سلمان ليثبت للعالم أجمع، بأن السعودية حاضنة الحرمين الشريفين، ورائدة التضامن الإسلامي من عهد الفيصل العظيم إلى اليوم، إذا نادى المنادي من أرضها: رد كل مسلم على وجه البسيطة "لبيك يا مهبط الوحي ومنبع الرسالة وسعديك" كلنا لك جند ولمقدساتك فداء. 


فهاهي الأمة اليوم بعلمائها وإعلامها، بمفكريها ومثقفيها، بخاصتها وعامتها، تجتمع على قلب رجل واحد في اجماع منقطع النظير، لم يحصل منذ عشرات السنين، تأييداً وترحيباً ومباركةً، بموقف خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره وأيده بنصره، وبقراره بانطلاق"عاصفة الحزم"

والأمة لاتجتمع على باطل، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ).

كم أنا فخورة بك يا وطني وبإنتمائي لثراك الطاهر، وكم أنا فخورة بمليكي، الذي لوح بيده لتستجيب له الملايين في العالم الاسلامي،  فلم تشعر الأمة منذ سنين بالفخر والعزة كما تشعر بهما اليوم.
  يحق لنا نحن أبناء المملكة العربية السعودية خاصة، أن نرفع رؤسنا عالياً بعزة المسلم وليس بتبختر الطواغيت، ونحن نرى  كل هذه الإنتصارات المشرفة للوطن، عاصفة الحزم وايجابياتها على الوطن والأمة، السويد تعتذر على لسان رأسا الهرم فيها ملكها ورئيس وزرائه،هناك الموقف الصارم من السلاح النووي، وأخيرا وليس بآخرا: الرد القوي والمفحم للسيف الصارم سعود الفيصل على رسالة بوتن للقمة العربية.


سلمانُ قرب جبيناً كي أقبله،،،به وربك إن العز مقترنُ.
ماخاب ظني ولا ظن الكرام به،،،فداه كل جبانٍ هدهُ وهنُ.
شفيت بالحزم أرواحاً وأفئدةً،،،كم كان يحرقها في صمتها الشجنُ.
سلمانُ ياقدراً جاد الإله به،،،وغيمة للمعالي غيثُها هتِنُ.
أوجع بعزمكم من خانوا عروبتهم،،،هم العدو وفيهم تولد الفتنُ.
خابوا وخابت مناهم إينما اتجهوا،،،وخاب ساحرهم من كان يؤتمنُ.

الاثنين، 16 فبراير 2015

" رحلة المائة وخمسين يوماً.! "

    " رحلة المائة وخمسين يوماً.! "

بقلم: سارة العمري
 
لم يكن يدور بخلدها ولا بخلدنا أن الإصابة بوعكة صحية عابرة، ستكون بداية لرحلة طويلة وشاقة.
كانت بداية فصول هذه الرحلة الانسانية المؤلمة قبل خمسة أشهر.
مكانها أروقة ودهاليز المستشفى العسكري بالرياض.
مراحلها تتفاوت بين ألمٍ وأمل، خوفٍ ورجاء، صبر ودعاء، رضى واحتساب، ترقب وحذر، قلق وانتظار.

من فضل الله علينا ، لم يشوب تلك الرحلة اعتراض ولا سخط، ولا يأس ولا قنوط، بل كان يسودها الرضى بما قضى الله، والقناعة بخيرية ما أختار، واليقين بأن كل شيء بيده وكل تدبير بأمره.!

ما سأطرحه هنا ليس تذمراً  ولا اعتراضا، ليس شكوى ولا امتعاضا، ليست رواية من نسج الخيال، ولا حكاية للتسلية وملء أوقات الفراغ.
بل هي قصة حقيقية عايشتها يوما بيوم ولحظة بلحظة، خرجت منها بدروس وعظات، وأحببت أن أوجه من خلالها رسائل وعبر.

رسالة إلى كل مبتلى علها تكون تخفيفاً وعوناً له بعد الله في مواجهة مرضه.
وتمهيداً لكل عائلة قد تواجه هذا المرض، فكلنا معرضون للبلاء والابتلاء في هذه الحياة، لعلها تصبرهم وتعطيهم فكرة عما سيواجهونه ويعانونه.
كما إنها بشارة إلى كل من يقاسي ويلات هذا المرض بأن الله لم يبتليه الا لأنه يحبه.!

فالأزمات والمحن وإن كانت في ظاهرها قاسية ومؤلمة، فإن في طياتها من المنح والأجر والمثوبة مالا يعلمه الا الله.
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله"

وهل هناك أمثل وأفضل من مواساة الحبيب وتوجيهه صلى الله عليه وسلم، فعَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ: ( الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ )

وروي أن رجلًا قال يا رسولَ اللهِ:
ذهبَ مالِي وسقمَ جسدِي فقال: (لا خيرَ في عبدٍ لا يَذهبُ مالُهُ ولا يسقمُ جسدُهُ إنَّ اللهَ إذا أحبَّ عبدًا ابتلاهُ فإن صبَر اجتباه وإن رَضِيَ اصطفاه).

كما روي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله: (يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ).
وأحاديث إمام الصابرين عليه أفضل الصلاة والسلام، التي وردت في هذا الباب لا يمكن حصرها هنا.

بداية القصة في ذلك اليوم الذي تلقيت فيه اتصالها المؤلم الذي أخبرتني فيه بتحويلها العاجل من قبل دكتورتها في مستوصف الحي إلى أقرب مستشفى ، وأكدت عليها بقلق وحرصت على ضرورة مراجعتها للمستشفى في نفس اليوم، وعاودت الإتصال بها مساءً للتأكد من ذهابها، منذ ذلك اليوم بدأت الرحلة، وتيقنت بأن هناك أمر جلل.!

أجريت الفحوصات الأولية ولازال لدينا أمل بأن النتائج مطمئنة، ولكن للأسف تم الاشتباه وبنسبة كبيرة في مرض ما.!
عندها بدأت أولى مراحل الرحلة، فكان موعد "الخزعة ، العينة" ، واتجهنا للمستشفى، و لن أنسى ذلك القلق والترقب في عينيها والذي كانت تحرص أن تخفيه بابتسامتها الدائمة، ولا حرج عليها إن توجست فهي تواجه المجهول.!

أخذنا ننتظر وننتظر حتى أتانا الدور، أدخلوها ومنعوني من الدخول، فكنت أتسلل بين الحين والحين لأنظر إليها من وراء الستارة فتطمئن نفسها وتبتسم فتهدأ نفسي أنا كذلك، تم أخذ العينة بسلام ولله الحمد وخرجنا مرتاحين نوعاً ما.

وبعد عدة أيام ظهرت نتيجة العينة وللأسف ثبت وجود المرض الخبيث.؟!
ولكن سبحان من ينزل الصبر على قدر المصيبة، فكلما كبرت المصيبة كان الصبر أكبر.
(  وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون أُوَلَئِكَ عَلَيْهمْ صَلَوَاتٌ مّن رِّبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وَأُلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدْوُنْ ).

ولموعد الفحص النووي، وتلك اللوحات التحذيرية والرسومات المخيفة، التي تشعرك بالرعب والقلق وكأنك تدخل مفاعلاً نووياً حكاية أخرى.!
كنت أرى ألاف التساؤلات مرسومة على وجهها، يا ترى ما خلف هذه الأبواب المغلقة وتلك الافتات المرعبة، وبالرغم من كل ذلك فابتسامة الرضى والتفاؤل لم تفارق محياها.؟!

دخلت أختي الحبيبة لأخذ الصبغة، وبقيت أنا وقبطان هذه الرحلة "ابنها البار محمد"، ننتظر في الممر وكل منا يحاول أن يثبت للأخر بأنه الأقوى، كنت أتحاشى النظر إليه كي لا أضعف وأنا أرى ذلك الكم الهائل من الحزن والقلق في عينيه، وكان يطلق بعض النكات كي يلطف الجو الذي قد شابته جميع تقلبات الطقس، من برق ورعد وحرارة وبرد وغيوم وعواصف تعصف بالقلوب والعقول معاً..!

نادت الممرضة للفحص ووقفنا الثلاثة أمام الباب، ونحن ننتظر هذا الشبح الذي ينتظرنا داخله، كانت تخشى ألا يسمح بدخول أحدنا معها فما نراه من لافتات يوحي بالخوف والواقع غير ذلك، وهذه من الأخطاء التي يجب تصحيحها فالمريض في أمس الحاجة للتطمين لا التخويف.!
أتى صوت الممرضة مثل نسمة عليلة على قلوبنا، "مرافق واحد بس" مباشرة نطق لسانها بالحمد والشكر لله.

دخلت معها وهنا كان الامتحان الأقوى لي، فقد ارتعدت فرائصها وإزرقت شفتيها وأخذتها رجفة شديدة، فاستجمعت قواي وسألت الله الثبات وأخذت أصبرها وأشد من أزرها، وأجتهد في القيام بدور أمي الغائبة لمواساة أخت تكبرني.!!

مرت تلك الساعات بما فيها من ترقب وخوف وقلق. ذهبت أهيم على وجهي لا أدري ماذا أفعل وإلى أين اتجه، ضعفت وقتها وشعرت بفقد أمي _رحمها الله_أكثر من أي وقت مضى، اشتقت أن أرتمي بين أحضانها وأبكي على صدرها، أشكو لها همي وأبث لها حزني، استمد القوة بعد الله من حنانها والثبات من دعائها.

أخذتني قدماي لأحدى العيادات التي اعتدت مراجعتها، فوجدت تلك العجوز التي تئن من الألم، اقتربت منها وكأن آهاتها تخرج من صدري، ولسان حالي يقول: "داوها بالتي كانت هي الداءُ،!" فإذا أردت مداواة آلآمك فشارك الأخرين ألآمهم.

وضعت يدي على رأسها وأخذت أقرأ عليها فهدأت نفسها وخفت صوت آهاتها، اقتربت منها وحاجتي لحنانها أكثر من حاجاتها لمساعدتي، نظرت لي نظرة شكر وامتنان ودعت تلك الدعوات الحانية، والتي كنت في أمس الحاجة إليها في تلك اللحظة.

ثم قالت: "يا بنيتي عندي سبعة أولاد ولا معي أحد" فقلت مباشرة: معك الله خير من الدنيا ومن عليها، اطرقت وهي تتمتم بالحمد لله.. الحمد لله.
وأخذت أقول في نفسي تلك رسائل ربانية، فمن يرى مصائب الناس تهون عليه مصيبته.!

 أثبتت جميع الفحوصات الإصابة "بسرطان الثدي".!
اجتمعت اللجنة الطبية وقررت إجراء العملية واستئصال كامل الثدي الأيسر، فسلمنا بقضاء الله وتوكلنا عليه وفوضنا أمرنا إليه.
وفي آخر موعد لتحديد يوم العملية حصل مالم يكن بالحسبان، حيث بينت أشعة الرنين المغناطيسي وجود كدمة في الظهر ولابد من أخذ عينة منها.
 أخذت العينة وأثبتت انتقال المرض لإحدى الفقرات، كان ذلك اليوم غير كل الأيام فقد كان وقع الخبر على العائلة مثل الصاعقة، تحطمنا وخيم الحزن على الجميع، حاول الشيطان أن يدخل اليأس لقلوبنا ولكن لطف الله أقوى من كيد الشيطان" إن كيد الشيطان كان ضعيفا".

وهنا يأتي دور الأسرة من زوج وأبناء وبنات، فقد كان لمواساتهم والتفافهم حولها والإيحاء لها بتفاؤلهم وثقتهم بشفائها، ودعمها نفسياً وخلق روح التفاؤل داخلها، الدور الأكبر بعد الله في تجاوزها للصدمة.

جاء اليوم الموعود يوم العملية وكانت ليلتها من أقسى الليالي وأشدها كربة فلم أهنأ براحة ولم أتلذذ بنوم وكانت الأفكار تتلاطم في داخلي كموج بحر هائج.!
كان موعد دخول غرفة العمليات عند الساعة الثامنة صباحاً، وكنت محتارة بين أمرين أحلاهما مر، فرغبتي الملحة أن أراها قبل التخدير، ولكن حالتي النفسية صعبة جداً، فلن أستطيع تمالك نفسي ولا حبس دموعي، مما سيكون له تأثير نفسي سيئ عليها، وهي في أمسّ الحاجة للدعم والتشجيع أكثر من أي وقت مضى، لذلك تعمدت التأخير.

دخلت المستشفى عند الثامنة والنصف بعد دخولها غرفة العمليات، وأخذنا ننتظر وما أصعب الانتظار فكأن الدقائق والساعات أيام وشهور.

تجاوزنا العملية بجميع الآمها ومصاعبها، وأتى موعد جلسات العلاج الكيماوي، والتي كانت رهبتها أشد وأقسى من رهبة العملية، ذهبنا للجلسة الأولى وكأننا مقدمون على حرب تأكل الأخضر واليابس، دخلنا للعيادة حذرين متوجسين.!

فتفاجأنا بواقع غير الذي كنا نتخيله ونسمع عنه! وجدنا نساء صابرات محتسبات من مختلف الأعمار، وإذا إحداهن توزع الورود زهرية اللون.
 وأخرى توزع نشرات الرقية الشرعية.
وثالثة تصب القهوة، ورابعة توزع تمر العجوة، وخامسة تضيف المعمول.!!

جلسنا بهدوء وحذر وعلامات التعجب على وجوهنا!أخذنا نستمع فلكل واحدة منهن حكاية تختلف عن الأخرى، خرجنا منها بعبر وعظات ودروس ووقفات.

فواحدة تقول عاودني المرض للمرة الثانية بعد ست سنوات من التعافي، فقلت الحمد لله ربي يحبني ويريد أن يقربني منه أكثر.!
 وأخرى تقول جزعت وبكيت عندما علمت بمرضي، فقالت لي فتاة صغيرة كانت بجانبي في غرفة التنويم:
والله لستِ بمؤمنة لو كنتِ مؤمنة لما اعترضتِ على قضاء الله وقدره، فكان كلامها بمثابة الماء البارد الذي أطفأ نار خوفي وقلقي فرضيت واحتسبت.!
وثالثة لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، كلها تفاؤل ورضى والأمل يشع من عينيها، فباب المستقبل لم يغلق بعد ما دام هناك نبض في قلبها ودم يجري في عروقها.


أختي الحبيبة: يا بقية من أبي وقطعة من أمي وجزء من روحي.
ها أنتِ تتجاوزين الجلسة الأولى من الكيماوي ولله الحمد والمنّة، بصدمتها ومضاعفاتها وآلآمها وآثارها بإيمان وصبر واحتساب، وقد قطعتِ الجزء الأكبر والأصعب من هذه الرحلة الشاقة، وبمشيئة الله تنهيها وقد اجتمع لك الأجر والعافية.

أيتها الغالية: كنت أستمد منك قوتي طوال هذه الرحلة وليس العكس، فقد كنتِ أقوى من الجميع، صابرة محتسبة متجلدة.
ضربتِ أروع الأمثلة في حسن الظن بالله وقوة التوكل عليه وتفويض أمرك كله إليه وحده.

ألا بالصبر تبلغ ما تريد ** وبالتقوى يلين لك الحديد

بشراك أُخيتي الحبيبة قول ربك جل في علاه:
( إِنّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فكل عمل له أجر معلوم الا الصبر فليس لأجره حدود.

يا صاحب الهم إن الهم منفرج**أبشر بخير فإن الفـارج الله.
اليأس يقطع أحيانا بصاحبـه**لاتيأسـن فـإن الكافـي الله.
الله يحدث بعد العسر ميسـرة**لا تجزعن فـإن القاسـم الله.
إذا بليت فثق بالله وارضَ به**إن الذي يكشف البلوى هو الله.
والله مالك غير الله من أحـد**فحسبك الله في كـلٍ لـك الله.

أختي يا أغلى البشر:
لقد تعلمت منك دروس وعبر..؟! أولها.. إنه من تعرف إلى الله وقت الرخاء تعرف الله إليه وقت الشدة.
إن من صاحب القرآن وقت صحته فلن يتخلى عنه حين مرضه.
من كان له خبيئة من عمل صالح ففي مثل هذه الشدائد الله به ينفعه، فقيامك بين يدي الله بعد أجراء العملية بساعات قليلة، تصلين قيام الليل جعلني أقول هنا يكمن سر الرضى والثبات.!
   
تعلمت منك التفاؤل والثقة بالله واليقين التام بأنه لايرد من دعاه ولايخيب من رجاه.
تعلمت منك أن أحمد الله وابتسم مهما أشتد الكرب، فاشتداد ظلام الليل ينبئ بقرب طلوع الفجر.
تعلمت وتعلمت وما زلت أتعلم منك الكثير الكثير.. فأنتِ قدوة لنا جميعاً في الصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله..
ثقي أنك ما زلتِ تعطينا الدروس تلو الدروس، فاثبتي وكوني القدوة والمثل الأعلى لنا.

الأربعاء، 28 يناير 2015

" رسالة سلمان بن عبدالعزيز الأولى "

" رسالة سلمان بن عبدالعزيز الأولى "



بقلم: سارة العمري

 

 

قال الله تبارك وتعالى:
{ الَّذِينَ إن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ }.


وقال عز من قائل:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }


هذه هي عزة وشموخ المؤمن وتلك هي عزة الإسلام وعظمته، كما ظهر بها الملك سلمان بن عبدالعزيز
_ حفظه الله_ أمام العالم اجمع، خلال استقباله للرئيس الأمريكي باراك اوباما، عندما قطع مراسم الإستقبال واستأذن ضيفه وانصرف لأداء صلاة العصر.


وكأنه يقول للعالم أن ثوابت ديننا فوق أي "بروتوكولات"، ونداء ربنا اكبر من كل رئيس و زعيم، وإن عزنا وتمكيننا يرتبط بمدى تمسكنا بديننا، فترجم عملياً مقولة الفاروق عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ).


وقد أرسل بهذا التصرف الشجاع رسالة واضحة المعالم للداخل والخارج، تعجز عشرات الخطب ومئات التصريحات عن ايصالها بهذه القوة وذلك الوضوح.
 
مفادها إننا دولة تأسست وقامت على الإسلام اتخذته دستوراً ومنهج حياة ولن تحيد عنه ابدا، فمن أراد أن يفصل الدين عن الحياة فيجزّأه ويفصّله حسب توجهاته ورغباته فلا مكان له بيننا.
 
كما قطع الطريق على كل من يساوم أو يشكك في ثوابت هذه البلاد وقيمها وقوة تمسكها بدينها، كما وضح ذلك في كلمته التي وجهها بعد وفاة أخيه الملك عبدالله رحمه الله، حيث قال: " سنظل بحول الله وقوته متمسكين بالنهج القويم الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله وعلى أيدي أبنائه من بعده رحمهم الله " 
 
كما بين للعالم اجمع إن الإسلام دين قيم ومبادئ وسلام ومحبة ،ونحن دعاة سلم وتعايش، نؤدي حق ربنا ونحترم حقوق خلقه.
فمن أرادنا بديننا فأهلاً ومرحباً به، ومن أراد منا أن نتخلى عن الإسلام ونلصق به التهم وننسب إليه جميع مشاكل العالم، فلا قبول له عندنا ولاحاجة لنا به، مهما على شأنه وارتفعت مكانته وعظمت قوته.!
 
فنحن قومٌ نؤمن أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } وليست لأحد من خلقه.
 
 شكراً مليكنا الغالي يا من أدخلت البهجة والسرور على قلوبنا، والثقة والأمان لنفوسنا، فقد شعر الوطن باكمله بالعزة والفخر، ورفع رأسه عالياً بملك صالح وإمام قوي أمين، فمن لم يضيع حق ربه ولم يخضع لبروتوكولات متعارف عليها بين جميع دول وزعماء الأرض على مدى عصور، وأمام زعيم الدولة الأعظم في العالم، فلن يضيع حقوق أمته ورعيته في أي حال من الأحوال وتحت أي ظرف من الظروف.

 
ترك العباد وسار نحو المسجد ،،، ملك حق الإله هو البٓدي.
لله درك إذ شرحت صدورنا ،،، فالناس تُهدي بالإمام المهتدي.

الاثنين، 26 يناير 2015

"ملكت القلوب حياً وميتا"

"ملكت القلوب حياً وميتا"



بقلم: سارة العمري
 
 

 


قال خير الأئمة صلى الله عليه وسلم:
( خيٓرُ أٓئِمّتكُمُ الّٓذِينٓ تُحِبُّونٓهمْ ويُحِبُونٓكُمْ ويُصٓلُّونٓ عٓلٓيْكُمْ وتُصٓلُّونٓ عٓلٓيْهِمْ )


إلى الله عبدالله شدّ رحالٓهُ ،،، فطوبى لماضٍ جٓمّلٓ اللهُ حالٓهُ
وماغاب عنا وهْو ملءُ صدورنا ،،، يروح ويغدو لانمٓلّ خيالهُ.
 
لقد ترجل الفارس عن صهوة جواده، نعم ترجل بعد أن أفنى زهرة شبابه وسني حياته، في خدمة وطنه وشعبه وأمته.
 
انتقل إلى جوار ربه بعد أن أدى الأمانة واجتهد وعمل ليل نهار بإخلاص وتفان لإسعاد شعبه ورفاهيته.
 
رحل قائدنا العظيم ووالدنا الحنون، الذي أسكن شعبه قلبه، فأسكنه شعبه جميع جوارحه.
 
رحل عبدالله بن عبدالعزيز فبكاه الرجال والنساء، بكاه الأطفال والشباب والشيوخ، رحل بعد عمر حافل بالحب والعطاء، عاشه لشعبه فتمنوا اليوم لو اعطوه من أعمارهم كي لايفارقهم أبدا.
 
أستقبل في قصره ومكتبه كبار السن وأصحاب الحاجات، فساعدهم بيده وواسهم بمشاعره وقضى حوائجهم بجاهه وماله، دخل بيوت الفقراء وتفقد أحوالهم وقال: «انني اليوم بين أهلي وقومي جئت لأتفقد أمورهم وأنظر أحوالهم، فليس السمع كالنظر، فنحن مؤتمنون أمام الله جل جلاله تجاه كل فرد من أبناء الوطن العزيز».


تجول في الأسواق وخالط العامة والبسطاء، شاركهم تسوقهم وأكل من أطعمتهم، تبادل معهم الاحاديث وأدخل السرور إلى قلوبهم.
مسح على رؤوس الأيتام فذرفت عيناه دموعاً غالية، وهاهو شعبه اليوم يبادله الحب بالحب، فيذرف على فراقه الدموع الحارة، ويتنهد بالزفرات الحارقة.
 
صرف المكافأت للأرامل والمطلقات، فأغناهم عن الإحتياج وكفاهم مذلة السؤال، فدعوا له بأطيب الدعوات، ووصفوه بأجمل الصفات.
 
ستبكيك الأرامل واليتامى ،،، وشعب فيك كم غنى وهاما.
سلاماً كنت حياً يا أبانا ،،،، ويوم الموت نقرؤك السلاما.


رحم الله الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته، كلمات تتكرر هذه الأيام على كل لسان عندما يذكر أسمه، فالكل يدعو له بصدق ويترحم عليه بحب، يعدد مناقبه ويتباهى بمأثره، قائد صدق مع شعبه فصدق شعبه معه.
ضرب أروع الأمثلة في الحب والعطاء والإثار، خرج لشعبه في أشد ألآمه مطمئناً إياهم فخاطبهم قائلاً: "دامكم بخير فأنا بخير".
فرد عليه شعبه بصوت واحد:

 
أبشرك حنا بخير وسلامه ،،، لاينشغل بالك يابو متعب ارتاح.



أصدر أوامر الخير فزاد الرواتب ودعم جميع قطاعات الوطن، ثم ألقى تلك الكلمة الأبوية الحانية، التي شكر فيها أبناءه وبناته شعب المملكة العربية السعودية، والتي ختمها بمقولته الشهيره ووصيته الغالية " أيها الشعب الكريميعلم الله أنكم في قلبي أحملكم دائماً، واستمد العون والعزم والقوة من الله ثم منكم، فلا تنسوني من دعائكم".
كلمات لايقولها الإ العظماء المتواضعين العارفين بربهم المتمسكين بدينهم.
 
رحلت عنكم وعمري في محبتكم ،،، ديني وشعبي وداري نبض شرياني.
تذكروني بدعواتٍ تؤانسني ،،، أرجو إلهي بتوحيدٍ وإيمانِ.

 
 

والله لن ننساك من دعائنا أيها الراحل الغالي، يا من سكنت منا القلوب واستوطنت مقل العيون فكل شعبك بعد رحيلك أيتام ياحبيب الشعب وملك القلوب.
قلت: "اعفوني من لقب ملك القلوب وملك الإنسانية، فالملك هو الله ونحن عبيد الله عز وجل."
اعذرنا أيها الأب الغالي إن لم نلب طلبك هذا فربنا هو من رزقنا حبك، ومصداق ذلك قول رسولنا صلى الله عليه وسلم:
إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ )


إن لرحيل الأحباب غصة، وإن لفقد العظماء ثلمة، وقد فقدناك ياحبيبنا وعظيمنا ووالدنا وقائدنا، فغصصنا بدموعنا حزناً، وتشبعت مشاعرنا يتماً.


 
رجوت عيني أن تكف دموعها ،،، يوم الوداع نشدتها لاتدمعي.
أغمضتها كي لاتفيض فأمطرت ،،، فأيقنت إني لست أملك مدمعي
رأيت حلماً إنني ودعتهم ،،، فبكيت من ألم الحنين وهم معي.
مُرٌّ علي أن أودع زائراً ،،، كيف اللذين حملتهم بين أضلعي




رحم الله فقيد الأمة وزعيم العرب وحكيمها، والد الشعب السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، واسكنه فسيح جناته.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا ملكنا لمحزونون.


الأحد، 11 يناير 2015

لنترجم أخوّة الدين نحوهم

 لنترجم أخوّة الدين نحوهم



بقلم: سارة العمري



 

 
أتدري كيف أخاك يا ابن أمي *** يهدده من الفقر العناء.
وكيف يداه ترتجفان بؤسًا ***وتصدمه المذلة والشقاء. 
يصب الزمهرير عليه ثلجًا *** فتجمد في الشـرايين الدماء.
 
 
 

عندما يجتمع الخوف والبرد والجوع والتشريد على إخوة وأخوات لنا هربوا من جحيم الحرب إلى زمهرير الثلوج وقسوة الشتاء، ونحن نتفرج عليهم بقلوب جامدة أيضا، ماذا يكون حالنا أمام الله تعالى، بل أمام التاريخ.
 

مع كل فجر يوم جديد تتعالى صرخات النساء والأطفال والشيوخ، مستغيثين بأمة الإسلام وما من مجيب.!
نحفظ ونلقن أبناءنا في المدارس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم-:
"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
 

ولكن السؤال الذي سيطرحه التاريخ علينا : يا أمة الجسد الواحد ماذا قدمتم لإخوانكم.؟


هؤلاء لم يجدوا سامعاً لشكواهم ولا معيناً لهم على بلواهم، ولا مغيثاً لملهوفهم ولا ناصر لمظلومهم وضعيفهم، و "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ"

فهل نصرتموهم لتنتصروا بهم أم اسلمتموهم وخذلتموهم أيما خذلان، فاللهم لاتؤاخذنا بخذلاننا لإخواننا.
 

وأنا هنا أوجه كلامي لك أختي الحبيبة ماذا قدمتِ لإخوانك وأخواتك المستضعفين في بلاد الشام.؟

أُخيتي تذكري عندما تغلقين عليك وعلى أولادك باب بيتك الدافىء، وتأوين إلى فراشك الوثير، تذكري حينما يذهب أبنك أو أبنتك للمدرسة صباحاً وقد ارتدوا أجود الألبسة الصوفية، وركبوا السيارات الدافئة و أووا إلى مدارسهم  المكيفة، ودرجة الحرارة لاتقل عن عشر درجات فوق الصفر، ومع ذلك تخشين عليهم من البرد.!
 
حينها تذكري بإن هناك من يسكنون العراء، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لا مأوى لهم ولا غطاء، ولا غذاء و لا لباس ولا دواء، بل وفوق ذلك درجة الحرارة تصل تحت الصفر بعشرات الدرجات.



عندها بادري أيتها المباركة ولو بالقليل، تذكري أحاديث الحبيب _عليه أفضل الصلاة والسلام_ في هذا الباب:

"يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ".



"سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ ". 

 

"إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِيءُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ".
 
"اتِقْوُا النّارِ ولْوُ بِشْقِ تَمّرْهَ".
 
كما يجب أن يتذكر الجميع إن الأيام دول.
 
فهؤلاء المستضعفين والمشردين، كانوا في ديارهم مطمئنين، وفي بيوتهم آمنين دافئين، كانوا ينعمون بمثل ما ننعم به اليوم من نعم عظيمة، فدار عليهم الزمان وتبدلت الأحوال، شردتهم الحروب وجار عليهم القريب والبعيد، فتحولت العافية وحل البلاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
 
 
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ،،،فلا يغر بطيب العيش إنسانُ

هي الأمور كما شاهدتها دولٌ،،،من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحدٍ،،،ولا يدوم على حال لها شانُ
 

 
وحسب تقرير لصحيفة تواصل الإخبارية، فإن العدد الكلي للاجئين السوريين في الأردن بلغ 638 ألف شخص. كما بلغ عددهم في تركيا أكثر من مليوني لاجئ، وفي لبنان مليون وسبع مئة ألف لاجئ سوري.
 
 
معاناة السوريين المشردين داخل وطنهم، لا تقل عن معاناة لاجئي الخارج، و يبلغ عدد اللاجئين داخل المدن السورية سبعة ملايين وست مئة ألف نازح.
فمن لهولاء إن تخاذلنا عن نصرتهم؟ 
من لهم إن لم نتكاتف لإغاثتهم والتخفيف من معانتهم؟
هل ماتت القلوب وتجمدت المشاعر، وانعدمت الإنسانية وقطعت روابط الأخوة؟



أين نحن من حديث المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ "لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ".

فكيف نقابل ربنا وبما نعتذر وجيراننا يموتون جوعاً وبرداً، ونحن نتقلب في ألوان النعم ولم نحرك ساكناً.؟
 
يارب تلك الشام طال عناؤها،،،والسهل دامٍ والرُبا تتضرعُ.
أنت الذي بيديك كل وسيلةٍ،،،يا دافع الأمر الذي لايدفعُ.