الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

" كلنا نورة العدوان "

" كلنا نورة العدوان "


 سارة العمري


في مبادرة مشكورة مأجورة، رفعت الدكتورة نورة العدوان عضو مجلس الشورى السعودي، توصية تنص على إلزام مذيعات القنوات السعودية الرسمية، والقنوات المرخص لها والممولة براس مال سعودي، حسب "صحيفة الوطن" بارتداء العباءة والطرحة وإلزامهن بلبس موحد أثناء ظهورهن على الشاشة.
 
 
وقد نجحت بفضل الله ثم بجهودها المضنية في إقناع لجنة الشؤون الثقافية والإعلامية بالمجلس، بإدراج توصيتها بإلزام المذيعات بارتداء العباءة والطرحة، ضمن نظام الإعلام المرئي والمسموع.
وطرحها للتصويت بمشيئة الله تعالى اليوم الثلاثاء الموافق 30/12/2014 .

 
 
وبالرغم من المعارضة والانتقادات، التي من المنتظر أن تواجهها الدكتورة نورة في أروقة المجلس بسبب هذه التوصية، إلا إن مجرد الموافقة على طرحها للتصويت يعتبر إنجازاً ونجاحاً للدكتورة ولمساعيها المباركة، كما يعتبر انتصاراً للشريحة الأكبر في هذا الوطن، فقد جرت العادة أن تكون هذه الشريحة في موقع الدفاع عن قضاياها وثوابتها المنتهكة، من قبل تيار معين داخل المجلس، وبهذه المبادرة تكون قد تغيرت المعادلة حيث اتخذت وضع الهجوم فكما يقال دائماً "الهجوم خير وسيلة للدفاع".

 
 
ففي الوقت الذي يحتدم فيه النقاش تحت قبة المجلس، حول التصويت على وثيقة السياسة السكانية وتحديد النسل في السعودية، والسعي لتمرير وثيقة السيداو، بكل ما تحمله من مخالفات شرعية، وما ستجلبه لهذا البلد من وبال وشرور لا يعلمها الا الله.

 
 
تأتي هذه التوصية لتخلط الأوراق وتشتت الأراء، لذلك يجب أن نقف صفاً واحداً وندعم الدكتورة نورة العدوان في موقفها هذا، ومواقفها المشرفة ضد أجندة النسويات المطالبة بإلغاء الحجاب والتحرر من القوامة والولاية، وتمرير وثيقة السيداو بمخاطرها وبنودها المخزية.
 
 

سينبري لنا من يتهم الدكتورة ومن يؤيدها بالتطرف والتشدد، والتخلف والرجعية، وإذا أردت أن تطاع أطلب المستطاع، وغيرها من الحجج الواهية والشعارات المضللة، والإتهامات المعتادة.

 
 
هنا نضرب لهم مثلاً ليس عنا ببعيد، ولم نر ولم نسمع من ينتقده من قريب أو بعيد، أو يتهمه بالرجعية والتضييق على الحريات، أو القول بفرض وصاية الولي الفقيه على جميع حركات الناس وسكناتهم، كما هي حالهم مع رجل الهيئة المستباح الحمى.!

 
 
نضرب لهم المثل بالقنوات الشيعية الرسمية والتجارية، والتي تبث من جميع انحاء العالم، فبالرغم من اختلافنا معهم في المنهج والطرح، الا إننا لابد أن نشيد بتمسكهم بأخلاقيات مجتمعهم المحافظ، وثباتهم على مبادئهم الإسلامية، مما جعل العالم بأسره يحترمهم ولا ينتقدهم، بما في ذلك بني جلدتنا من دعاة التحرر والإنفتاح.

 
 
والسؤال المطروح على دعاة الحرية، والمتشدقين بقبول الرأي والرأي الآخر، هل رأيتم على شاشات هذه القنوات رغم كثرتها وانتشارها، مذيعة دون حجاب ساتر لكامل جسدها وشعرها، هل رأيتم مبالغة في الزينة والتبرج، أو خضوع وتبذل في القول أو تكسر في الجسم.؟

 
 
هل رأيتم مناظر مخلة بالأداب، أو مشاهد خادشة للحياء،
كما هو الحال في قنواتنا المتحدثة بإسمنا، والممولة بأموالنا والممثلة للأسف الشديد لبلادنا، التي هي قبلة المسلمين وقدوتهم، والرمز والمثل الأعلى لكل مسلم على وجه الأرض، لكونها مهبط الوحي ومنبع الرسالة ومهوى الأفئدة، منها اشرق نور الإسلام وبها يرقد خير الأنام.


 
 

أما آن لنا أن نتصدى لمن يسعى لتشويه صورة بلادنا ويعمل على تدنيس قدسيتها، باسم الحرية وتحطيم القيود واسقاط الوصاية الدينية، كما يزعمون بدعواتهم الباطلة وشعاراتهم الواهية كوهن بيت العنكبوت.

 
 
ألم يعلم هولاء إن من يتمسك بمبادئ أو قناعات معينة، يكسب احترام  الآخرين له، ولتلك المبادئ حتى وإن كانوا يرفضونها أو لا يتفقون معها.
إذن فثباتنا على ديننا ومبادئنا هي من تجعل العالم يحترمنا وليس العكس.!
 
 
 
أما آن لهم أن يقدموا مصلحة الوطن على أهوائهم ومصالحهم الشخصية، ويدركون أن الأغلبية في هذا الوطن المبارك، محافظين متمسكين بتعاليم الإسلام راضون بتشريعاته، وما الجدل الذي دار حول الحجاب بالأمس القريب الا بمثابة استفتاء اتضحت فيه الرؤية، فرجحت كفة التمسك بثوابت الدين، على غيرها من الأراء الشاذة والأهواء الشخصية.

 
 
إننا نناشد جميع العقلاء في هذا البلد المبارك من علماء ومسؤولين وتجار ومصلحين، أن يقفوا كلاً فيما يخصه، كالموقف الشجاع الذي وقفته الدكتورة نورة العدوان في مجلس الشورى.
يقف الجميع بحزم ضد سطوة الإعلام الفاسد، الذي يغزو بيوتنا ويستعمر عقول فلذات أكبادنا، فيسمم أفكارهم ويسطّح أهدافهم.!

 
 
وما الإعلام الموجه الا جزءاً من المؤامرات التي تحاك اليوم على ديننا وبلادنا من قبل الشرق والغرب وللأسف بتنفيذ أبناءنا، فهل هي دورة التاريخ أم يعيد التاريخ نفسه.؟

 
 
إنها الخطوات نفسها التي مارسها أعداء الإسلام على مصر قبل حوالي قرناً من الزمن، عندما كانت زعيمة للعالم الإسلامي ثقافياً وفكرياً وحضارياً واقتصادياً.
فاستعملت المرأة كأداة لهدم مجدها وقيمها وأخلاقها.

 
 
فإن استمر السكوت على هذا الغزو الممنهج لمجتمعنا، فسيعاد السيناريو نفسه ونفاجأ بخروج "هدى شعراوي" بنسختها السعودية، لتخلع الحجاب وتحرقه، ثم ويل لنا مما هو أطم وأعظم.؟!

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

أيها الوزراء : لا نريد وعودا.. تحدثوا بإنجازاتكم

أيها الوزراء : لا نريد وعوداً.. تحدثوا بإنجازاتكم
 
بقلم: سارة العمري
 
 
 
 
 
صدرت يوم الإثنين الماضي أوامر ملكية بتعيين ثمانية وزراء جدد وقد حظيت هذه التعيينات بترحيب واسع من كافة شرائح الشعب السعودي متأملين فيهم ومنهم خيراً .
 
ملكنا المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - قد أحدث ربيعاً سعودياً طوعياً بهذه التغييرات، وما سبقها من تغييرات مماثلة في كافة مفاصل الدولة، وقد أدى ما عليه وبرئت ذمته أمام الله ثم أمام شعبه، واليوم باتت الأمانة في أعناق الوزراء والمسؤولين المعنيين بهموم المواطن مباشرة، فنحن لا نريد تصريحات نارية، ووعود خرافية، وكلمات تخديرية، وأحلام في أرض الواق واق بما سمعنا طيلة السنوات الماضية.
 
ولكي لا أكون كالتي ترمى الكلام على عواهنه، هل تذكرون من وعد المجتمع "بآلاف الوحدات السكنية خلال ستة أشهر"، ولم تر النور إلى اليوم. أو من يقول للمسن الضعيف "رح أشتر" ، أو من يسكن في قصر مساحته بآلاف الكيلو مترات ويستكثر على المواطن "بضع مئات من الأمتار"، أو ذلك البليد الذي يطلب من الناس أن يتكيفوا مع الغلاء وأن يغيروا عاداتهم الغذائية، وغيره وغيره من التصريحات التي تغم المواطن وترش الملح على جراحه.
نريد أفعالاً لا أقوالاً، لا نريد أن "نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً".
 
مطالبنا بسيطة ومشروعة، نحن لا نطلب المستحيل نريد إذا مرضنا أن نجد سريراً مريحاً، في مستشفى يقدم الرعاية الصحية الجيدة . كي لا يجتمع علينا ألم الجسد وضيق المكان وآهات المرضى، كما هو الحال اليوم لمن كان حظه ممتازا أو لديه واسطة ويجد سريرا في مستشفياتنا اليوم، والتي الغرفة فيها لا تتجاوز مساحتها  ستة في خمسة، ويتكدس فيها من أربعة إلى ستة مرضى يستمعوا لآهات بعضهم البعض، فكيف لمريض هذا مكانه أن يتعافى؟!
 
نريد أن نصل إلى أعمالنا، ويصل أولادنا إلى مدارسهم وجامعاتهم عبر طرق آمنة، خالية من الحواجز والتحويلات والحفريات، حتى لا نكون ضحية بين سندان "ساهر وحوادث السير، ومطرقة خصم الرواتب وفوات الاختبارات.!"
 
نرغب في مخرجات تعليم جامعي مرموق، تكفل لأولادنا التخصصات النادرة، وتؤهلهم للوظائف المطلوبة في سوق العمل، كي لا تتقطع قلوبنا على فراق أولادنا الذين لم يجدوا تخصصاتهم التي يرغبونها في بلدهم، ما اضطرهم  أن يتغربوا عن أهلهم ووطنهم، وكي لا نصاب بخيبة أمل بعد جهد وسهر وطول انتظار، ثم يتخرج أولادنا ، فينضمون لطابور البطالة الطويل.
 
نرغب في أمن اجتماعي شامل يضمن حقنا في بيت مال المسلمين، فيوفر راتباً شهرياً لربات البيوت، لقد سمعنا من يعترض على ذلك قائلاً وماذا قدمت ربات البيوت للوطن كي يكافئهم؟
 
وأنا أقول ماذا قدم الوطن لهن, نعم يا معالي وزير الشؤون الإجتماعية ،و يا وزير المالية، ماذا قدم الوطن لأمي وأمك وملايين الأمهات من جيلهن، فلم يتعلموا في مدارس ولم يدخلوا جامعات ويحصلن على شهادات ومكافئات، ولم يستخدمن طرق معبدة ولم يشربن مياه محلاه، ولم تنير الكهرباء بيوتهن الا قريباً .
 
بل ربما نامت أمك يوماً وهي تمسك بشمعة أو فانوس كاز، كي تضيء لك الغرفة لتذاكر دروسك فذابت الشمعة وحرقت يدها، نعم احترقت من أجل أن تجعل منك نوراً يضيء في المستقبل، وتقدمك عضواً صالحاً يخدم وطنه ويرتقي بمجتمعه. 
 احترقت لتنير سماء الوطن بالطبيب والمهندس، بالمعلم والعسكري، بالقاضي والمحامي، بالسفير وبك أنت يا معالي الوزيرين.!
فبعد كل هذا الا تستحق راتباً شهرياً يسيراً!
 ليس كراتب معاليك ولا ربعه ولا نصيفه، إنما نطالب لها بواحد في المئة من راتب مدير مكتبك يا طويل العمر.
 
 
نريد إعلاماً محافظاً يراعي خصوصية مجتمعنا، فيهذب أخلاق أولادنا ويرتقي بعقولهم، يبث لهم الثقافة لا التفاهة، يرسخ تعاليم الدين في نفوسهم، ويؤصل القيم والمبادئ في تفاصيل حياتهم.
 
نريد دعاة أصحاب منهج وسطي يخاطبون العقول قبل القلوب يغرسون فضائل ديننا الإسلامي العظيم في عقول النشء، فيغذون به الأرواح وينيرون العقول، بالحجة والدليل وليس بالترهيب والتشدد، ولا بالتنفير والتكفير.
 
نريد وزراء يتلمسون احتياجات المواطن البسيط، يخلعون البشوت وينزلون للميدان، يذهبون للمستشفيات للجامعات للأحياء الفقيرة، للقرى النائية المنسية، للمساجد ومرافقها المتهالكة، للطرق واستراحاتها وخدماتها البائسة، للمزارع للصحف، لكل مكان يحتاجهم المواطن، فقد عينوا من أجل خدمته وليس العكس، عليهم أن يقومون بذلك كله مترجلين، بلا مواكب فاخرة ودون وفود مرافقة ومستقبلة، ودون حاشية مطبلة مرتزقة، ولا ورود منثورة وبوفيهات بالطول والعرض مفروشة.!
 
أيها الوزراء: كونوا كتوفيق الربيعة الذي تحدثت إنجازاته لا لسانه، فبات وزير الشعب بلا منازع.

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

نحمي رعاياهم .. ويقتلون أبناءنا

نحمي رعاياهم .. ويقتلون أبناءنا
 
 
بقلم: سارة العمري
 
 
 
ثلاثون يوماً مؤلمة، عشناها مع أسرة عبدالله القاضي -رحمه الله- بين ترقب وانتظار، ألمٌ وأمل، خوفٌ ورجاء. وكانت الأخبار التي تردنا عن قضيته شحيحة جداً، وباجتهادات فردية فقط، جعلت كل أم لديها إبن مبتعث تتعاطف مع أم عبدالله وتشعر بقلقها وأنينها في جوف الليالي تنشد عن ولدها..
 
للأسف لم تُفرد لخبر إختفائه الصفحات الأولى في صحافتنا الرسمية، ولم يرد خبراً عاجلاً على قناة العرببة أو قنواتنا الاخبارية، كما فعلت مع خبر مقتل "الأمريكي" في الرياض.!
 
"العربية" خصصت له ساعات من التغطية والبث، وجعلته خبر رئيسياً في نشراتها، فلم تدع شاردة ولا واردة الا ذكرتها، ولاشخصاً يملك أية معلومة عن القضية مها صغرت الا واستضافته، وجندت مراسليها للبحث والتحري، حتى جمعت أدق التفاصيل عن القاتل منذ ولادته في ولاية امريكية، إلى خبر فصله من شركة امريكية.!
كل هذا في وقت قياسي وجيز، متغلبة على كالة الاستخبارات االأمريكية ال "CIA".!
 
لو أن "العربية" -وغيرها من قنواتنا الاخبارية المحسوبة على وطننا- أولت قضية إختفاء أبننا "السعودي" عبدالله القاضي، الذي قتله الأمريكان، ربع هذا الإهتمام لتفاعل معها الشعب والإعلام الامريكي، وبالتالي كثفت أجهزة الشرطة بحثها ولم يستغرق كل هذه المدة.
 
كم كانت فجيعتي كبيرة، إذ لا أنسى تلك الليلة المظلمة كظلمة الخبر الذي سامراتنا به، وأنا أضع رأسي على وسادتي لأخلد للنوم، وفتحت "تويتر" للإطلاع على آخر الأخبار، وليتني لم أفتحه، إذ فوجئت بالخبر الصاعقة: "العثور على المبتعث السعودي عبدالله القاضي مقتولاً.."، لم أملك إلا أن أردد:
 
يانائم الليل مسروراً بأوله،،،إن الحوادث قد يطرقن أسحارا.
 
قفزت من سريري مذعورة، وقد دبت الرجفة في جسدي، فتنملت أطرافي ولم تعد تحملني، ارتعدت فرائصي، تسارعت نبضات قلبي، أحسست برعب وحزن شديدين، ودون شعور أخذت أبحث في هاتفي عن رقم ولدي محمد المبتعث هناك في أمريكا، تشابهت عليّ الأسماء واختلطت أمامي الأرقام، وبصعوبة استطعت استخراج رقمه، اتصلت به ودموعي تنهمر بغزارة، وقلبي يكاد يقفز من بين أضلعي..


بادرته ملهوفة: ولدي حبيبي أين أنت وماذا تفعل ومن معك وأين ذهبت اليوم وإلى أين ستذهب غداً.؟ ماهي أخبارك وكيف هي أحوالك؟، هل مدينتك أمنة؟ وهل شقتك بوسائل السلامة عامرة؟، هل طريق جامعتك سالك أم ملئ بالمخاوف؟؟ و و و و..سيل من الأسئلة التي لم أدع له مجالاً للإجابة عليها.
 
ثم أمطرته بوابل من النصائح، انتبه لنفسك، حافظ على صلاتك وأذكارك، احفظ الله يحفظك، لا تذهب للأماكن الخطرة، لاتتجول بمفردك، لاتخرج الا لضرورة.. وهو يطمأنني ويهدئ من روعي، ولكن عبثاً يفعل، فالخوف عليه قد تملكني وشوّش كل تفكيري، ولكني فوضت أمري لله واستودعته إياه وأنهيت المكالمة، ودموعي تتساقط، وصدري متحشرج بالآهات المكتومة..
 
ياترى لو كنا نتيقن أن أمريكا وأوربا وسائر بلدان الابتعاث، تولي أبناءنا ولو جزءا يسيرا من الإهتمام والحماية، التي نوليها لرعاياهم المقيمين في بلادنا، هل كنت سأفزع ذلك الفزع وأقلق بتلك الطريقة على ولدي.؟
 
أم أنني كنت سأتصرف بهدوء واطمئنان، وأسلم فوراً بقضاء الله وقدره، مع يقين بأن هذا أجل عبدالله وقدره، وأن ماحصل له ليس نتيجة اهمال او تقصير من أي جهة كانت، بل هو مجرد حادث عرضي قد يحدث مثله في أي مكان في العالم.؟
 
إن خوفنا على أبناءنا وعدم ثقتنا في طريقة التعامل ووسائل الحماية، التي تقدم لهم في تلك الدول، وعدم وجود الأهتمام والرعاية والمتابعة الكافية من ملحقياتنا هناك، يجعلنا نعيش في قلق دائم وخوف مستمر.

تعدو الذئاب على من لا كلاب له،،،وتتقي صولة المستنفر الحامي.!
 
عدت لسريري وقد جفا النوم عيني، ولا أرى إلا خيال والدة عبدالله، كيف هو حالها؟ وكيف قضت الثلاثين يوماً من الإنتظار المرير، وكيف تلقت خبر وفاة إبنها وفلذة كبدها وريحانة فؤادها.

ياالله كيف تبدد الأمل، وتبدل الحلم.. كانت تحلم بعودته حاملاً شهادة  تخرجه وثمرة جهده وحصاد غربته؟ فعاد لها محمولاً داخل كفن، ومعه شهادة وفاته وخروجه النهائي من الحياة.
رحمك الله ياعبدالله القاضي، وربط على قلب أمك وأبيك، وجمعهم بك هناك في الجنة، حيث اللقاء الذي لافراق بعده، والسعادة الدائمة والنعيم الأبدي.
 
تخيلت تلك الأم المكلومة وهي تقلب ألبوم صوره، تفتح دولابه وتشم ملابسه، تقلب كتبه وتقرأ مذكراته، تتخيله في زوايا غرفته، تمد يدها لتوقظه من سريره، تشم رائحة عطره تملأ المنزل، تناديه باسمه فتسمع صدى صوته وضحكاته في أذنيها.
 
بكيت وبكيت وقلت: آه على الأقدار كيف تغير مسيرة الحياة، وكيف تقلب الأفراح أتراحا، والأمال آلاما، ولكن هذا قضاء الله وقدره فالحمدلله على كل حال..هذه الدنيا وتلك هي أحوالها وهكذا أحكامها..
 
حكم المنية في البرية جاري،،،ما هذه الدنيا بدار قرار
 
بيناً يُرى الإنسان فيها مخبراً،،،حتى يُرى خبراً من الأخبار
 
جبلت على كدرٍ وأنت تريدها،،،صفواً من الأقذاء والأكدار
  
أطالب الملحقيات السعودية في بلدان الإبتعاث، أن يقوموا بالدور الذي وجدوا من أجله، وهو متابعة وتوعوية وتثقيف أبناءنا وبناتنا المبتعثين، وإعلامهم بالمواقع المشبوهة والأماكن الخطرة وتحذيرهم منها، فأبناؤنا أمانة في أعناقهم، سنسألهم عنها يوم القيامة إن هم أضاعوها.
 
أم عبدالله، احتسبي أيتها المكلومة، واسألي الله لقاء ابنك في الجنة.

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

"أعرابي زمزم" ومعيار الوطنية

"أعرابي زمزم" ومعيار الوطنية
 
 
بقلم: سارة العمري


 
عندما تكون الوطنية سيفا يسلط -من قبل بعض المختلين- على رقابنا لامتحاننا فتلك مصيبة، والمصيبة الأطم عندما توضع في معيار مضاد لقناعتنا الدينية.
 
عندما يأتي بعض هؤلاء الكتاب الذين هم على طريقة "اعرابي زمزم" يريدون الشهرة وتصفية الحسابات باسم الوطنية، فلا تملك إلا أن تصفق كفا بكف وتتحسر على حال الاعلام..
 
كتب أحدهم مقالا مؤخرا في صحيفة الحياة يطعن في وطنية أبناء وطنه السعودية.!
 
حيث ربط الوطنية بالإكتتاب في البنك الأهلي من عدمه.!
 
بقوله: اكتتاب البنك الأهلي سيسقط الأقنعة الصحوية أو يربك السعودية، فلا دليل سواه على النجاة أو المصيبة. هو جانب أولي للرهان على المستقبل وتأكيد الوطنية، هو امتحان توجه السعوديين والتعرف إلى بوصلتهم،.!
 
هنا أقول: سبحان ربي متى كان استحلال الحرام مقياس للوطنية وقارب للنجاة وأمان للمستقبل.؟
 
متى أصبح الإمتناع عن أكل الربا "خيانة وطنية" وامتحان لولاء أبناء هذه البلاد الطاهرة والتعرف على إنتماءتهم.؟
 
متى كانت الأحكام الشرعية وتحريم ماحرم الله مجرد خطابات فرز حادة، واتهامات عاطفية كما يدعي الكاتب.!
 
متى كانت السعودية تخوض حرب وجود مع الدين والمتدينين، وهي حاضنة الحرمين الشريفين، وحاملة راية الإسلام والدفاع عنه في جميع المحافل الدولية.


متى أصبح التمسك بثوابت الدين انتهاك لهيبة الدولة، وتعطيل لمسيرة الوطن التنموية.
 
كيف اصبح اكتتاب في أسهم ربوية، ممارسة ديموقراطية حتمية ونهائية، ودراسة استقصائية للرأي العام.؟
 
ماذا يقول هذا الكاتب ومن يخاطب.؟
إنه يخاطب أبناء بلاد الحرمين، الذين ولدوا على الفطرة، ورضعوا الدين وتعاليمه مع حليب أمهاتهم، فبقدر تمسكهم بهذا الدين تكون وطنيتهم أقوى وولائهم أوثق.
 
فهذا الوطن قائم على الإسلام وشعاره كلمة التوحيد، والبيعة التي في أعناق أبناءه لولاة الأمر حفظهم الله على الكتاب والسنة، وليست على اكتتاب البنوك الربوية.!
 
ياللعجب هل من الوطنية والمواطنة الحقة، أن يدعونا هذا الجاسر أن نكون من العصاة الذين لم يعلن الله الحرب في كتابه إلا عليهم.
 
يقول الله -تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلّمونْ..}
 
إن المصيبة الأعظم في ذلك المقال المريض ليست في تخوين من يمتنع عن الاكتتاب فحسب، بل في ربط التحليل والتحريم بالمعاملات التجارية والقرارات الإدارية، وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد بالعزف المستمر على "سمفونية الوطنية".
 
لقد اشتمل هذا المقال  على بعض ما أعلنته وزارة الداخلية من محظورات :
 
*كالسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية.
*والتشكيك في ثوابت الدين.
 
فهل سيحاسب كاتبه أم أن لديه حصانة من جهات غير معلومة.!
 
إن هذا والله لهمز شياطين ومكر منافقين.!
يراد به انتزاع الدين من حياة الناس، وفصله عن جميع معاملاتهم.


لكن خاب أولئك وخسروا، فالإنتفاضة التي أحدثها هذا الشذوذ في الطرح والغلو في القول، في أوساط مجتمعنا المسلم المحافظ بجميع اطيافه،
 أثبتت إن تعاليم الدين خط أحمر لايمكن تجاوزه.


ربما سيقبل على الاكتتاب غدا بعض مرضى القلوب، او ممن افتتن وتكالب على جمع المال، ولكن هل هذا مؤشر على حالة التدين، لا أتصور ذلك، التحدي الحقيقي في صناديق اقتراع حقيقية ليعرف من ينحاز له المجتمع، أو ليظهر هذا الكاتب في محاضرة بالنادي الأدبي وفي المسجد المجاور داعية مبتدئ ، وليعرف لمن يتجه الناس ويسمعوا.

السبت، 20 سبتمبر 2014

" من حضر القسمة فليقتسم.!"

 " من حضر القسمة فليقتسم.!"
 
 
 
 

سارة العمري
 
 





توقفت عن الكتابة عدة أشهر ليس لفقر في الأحداث، أو لعجز في الأفكار، أو لنقص في الدوافع..
بل على العكس فالأحداث جسام والوقائع عظام والساحة مشتعلة، والموارد غزيرة.


ولكن النفس قد سئمت من الحديث عن الدماء، والعين رمدت من النظر إلى الأشلاء، والقلب تمزق على قوافل الشهداء، والعقل حار والفكر تشتت، فخارت مني القوى، وجمدت في فمي الكلمات، فما يدور حولنا يجعل العاقل حيرانا والفصيح متلعثما..!


قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ،،،
وقد ينكر الفم طعم الماء من سقمِ.


فعن ماذا اكتب وفيما أتحدث وبما أفسر ما أرى وأسمع.؟
فلم أعد أميز الصواب من الخطأ، ولا الحق من الباطل، ولا الظالم من المظلوم، فقد اصبحت فتناً كقطع الليل المظلم، تداخلت فيها الأحداث وعظمت الجراح فماذا عساني أقول:


ألحال حرائر سوريا الثكالى أندب، أم لأطفال غزة اليتامى أنتحب، أم من مناظر جثث مسلمي بورما المتفحمة أتألم، أم على كرامة بلاد الرافدين المنتهكة أتحسر، أم من إختطاف اليمن السعيد أحذر، أم على ديار عمر المختار أبكي، أم لمسلمي الصين أثأر، أم من متصهيني أمتي أستعجب، ولأفعالهم وأقوالهم أشجب!



يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ بين يدي الساعة فِتَنًا كأنها قِطَعُ الليل المظلم؛ يُصبِح الرجل فيها مؤمنًا ثم يُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمنًا ثم يُصبِح كافرًا، يَبِيع أقوامٌ خَلاقَهم بعَرَضٍ من الدنيا يسير)).



أرعبني تفحم الجثث، و هالني نخر الرؤوس بالدريل وقطعها بالسواطير، ومزق قلبي تطاير الأشلاء ونزف الدماء، وحيرني تخاذل بني الإسلام عن نصرة إخوانهم، وهالني بل صعقني وقوف شرذمة من بني قومي مع العدو ونصرته ضد إخوانهم.!


صدق سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال: ((اللهم لا يُدرِكني ولا تُدرِكوا زمانًا لا يُتبَع فيه العليم، ولا يُستَحى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب)).!



ما بال أمة الحبيب المصطفى تشرذمت وتناحرت وعلى نفسها تأمرت،؟
أسُتنزفت مواردها، وأُنهكت قواها، تفرقت كلمتها، وضاعت هيبتها، والسبب واضح جلي لاينكره إلا جاهل أو غبي، هان أمر الله عليها فهانت على الله..!
و سكت أهل الحق عن الباطل ، فتوهم أهل الباطل أنهم على حق، فأزبدوا وأرعدوا ولمحارم الله انتهكوا ولدينه ضيعوا.


قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره خذلنا الله".


ويقول الشيخ عبدالعزيز الطريفي حفظه الله: "لا يحفظ التاريخ أن العرب صار لهم قيادة وسلطان على دول العجم لا بمال ولا قوة إلا بالإسلام فأعزهم الله به، تنقص عزتهم بمقدار نقص دينهم"


وها هي نبوة سيدنا محمد صلى عليه وسلم تنطبق علينا اليوم واضحة جلية..


(  يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ )


فهانحن اليوم تعدادنا تجاوز المليار مسلم، ولانملك مقعداً دائماً في الأمم المتحدة، فليس لنا مكان بين الكبار، ولانملك القوة والقرار، فنخطط لأنفسا ونقرر مصيرنا لنكون رقماً صعباً بين الأمم،  بل هاهم الأخرين يخططون لنا ويتدخلون في شؤوننا، لذلك لانشكل لهم أي أهمية لأننا بالنسبة لهم رقماً تافهاً لاقيمة له.!


أين رجال هذا الدين ونساءه، أين شبابه وفتياته أين مشاعرهم وغيرتهم على دينهم وأوطانهم.
أين أقلامنا المؤثرة وأصواتنا المسموعة، أين إعلامنا الذي يُصرف عليه المليارات أين هو عن قضايا الأمة، أين سوريا وفلسطين والعراق والأحواز واليمن وبورما، أين هي من إعلامنا المقرؤ والمسموع.؟


أم إن "عرب أيدول و "عرب قوت تالنت" و"أكس فاكتور" و"سوبر ستار" و"ستار أكاديمي و و و و..الخ.
هي من سيجلب النصر للأمة، وترفع مكانتها بين الأمم، وستجعل من شبابنا العلماء والمخترعين والمناضلين، 
إن هذه البرامج التي يتابعها الملايين من العرب تساهم في ضياع هويتنا الإسلامية وتمسكنا بديننا، وتتفه إهتمامات شبابنا وتشغله عن قضايانا المصيرية.


لقد سيطرت هذه التفاهات على القلوب والعقول، فلم تعد أبصارنا تشاهد مأسي المسلمين، ولم تعد أذاننا تسمع صرخات المحزونين، ولم تعد قلوبنا تتألم لتتطاير أجساد المصلين.


هاهو الكفر يصول ويجول على كل أرض من أراضي المسلمين، ونحن لازلنا نتجادل ونختلف على توافه الأمور، بين ممانعة ومولاة، وهل داعش وهابية أم صنيعة إيرانية، ونتهجم على بعضنا في وسوم "داعش، وفاحش".!


وقد طبخت القصعة على نار هادئة حتى نضجت، ولم يبقى الإ القسمة فمن حضر القسمة فليقتسم ومن غاب غاب قسمه معه.!

الجمعة، 23 مايو 2014

كابوسنا المخيف.. وحلمهم الوردي

كابوسنا المخيف.. وحلمهم الوردي
 
بقلم: سارة العمري
 
 
 
لقد بدأ العد التنازلي ودنت ساعة الصفر، وأطلقت صافرات الإنذار، وأعلنت حالة الطوارئ، وداهمنا شبح مخيف وكابوس مزعج، كعادتنا الميمونة نهاية كل فصل دراسي. وبدأنا بعزف السيمفونية الشهيرة..ذاكر..ذاكري..!
 
هنا نتساءل عن هذه الحالة من الهلع والذعر التي تنتابنا سنوياً، من المتسبب فيها؟
هل هو النظام التعليمي، أم المنفذ لهذا النظام، المدرسة أم الأسرة، المعلم أم الطالب، المجتمع أم الإعلام.؟ سؤال عريض يحتاج لإجابة أعرض.!
 
صادف العام الماضي، تواجدنا في أوربا آخر أسبوعين من الدراسة لديهم، وكنا للتو خرجنا من وعثاء عامنا الدراسي، وبالكاد صحونا من كابوسنا السنوي، لنجده عندهم مختلف تماماً، فهو كحلم وردي جميل، فلم نزر حديقة عامة، ولا متحفاً ولا معلماً سياحياً، الا وجدناه يكتظ بطلبة المدارس مما أثار استغرابنا.!
 
فسألنا السائق المرافق لنا عن ذلك فقال: هكذا الحال كل عام، تكون الأسبوعان الأخيران من العام الدراسي فترة ترفيه للطلبة، حتى تكون ذكرى جميلة تجعلهم يشتاقون للعودة لمدارسهم في العام المقبل.!
 
فقلنا بصوت واحد والكابوس ! اقصد والإختبارات؟!
 
فقال هم في اختبارات وتقويم مستمر، فالمعلم يتابع ويقيم طلابه على مدار الفصل الدراسي، لذلك لم يعد هناك حاجة للإختبارات.!
 
وكان لختام العام الدراسي في جنيف حكاية أخرى، فقد كان من محاسن الصدف أن تواجدنا هناك، وإذا بوفود غفيرة من الطلبة والطالبات، والمعلمين والمعلمات، يتوافدون على البحيرة، ومعهم آلاف البالونات الملونة.
 
ثم تجمعوا في لوحة فنية رائعة، وبدأوا بالأناشيد ثم بإطلاق البالونات في الفضاء، في جو تملؤه السعادة والبهجة، معلنين نهاية عامهم الدراسي، وقد كتبوا أمنياتهم للعام القادم على تلك البالونات، منتظرين تحقيقها مع عودتهم لمدارسهم من جديد بكل شوق ومحبة.!
 
فتذكرت حال طلابنا نهاية كل فصل دراسي فتمزيق الكتب بديل عن إطلاق البالونات.!
وطريقة توديعهم لمدارسهم شبيهاً بمحكومين بالسجن مع الأشغال الشاقة، ينتظرون لحظة الإفراج بفارغ الصبر، ويتمنون الا يعودوا لهذا السجن أبدا.! 
 
ثم قارنت مخرجات تعليمنا بمخرجات تعليم القوم، ولست هنا أمجدهم، ولكن تمنيت لو أخذنا من إيجابياتهم بالقدر الذي أغرقتنا به سلبياتهم.!
 
وختاماً اكرر تساؤلي في بداية المقال أين الخلل يا وزارة التربية والتعليم؟
اليس في نظامنا التعليمي، شيئاً مشوقاً، يربط أبنائنا بمدارسهم ويحبب إليهم العلم والمعرفة؟
 
طبقنا التقويم فلم ينجح، وشبح الاختبارات مازال يلاحق أبناءنا دون أن يكبح.! فكيف لتعليم هذا حاله أن يفلح.؟
وهل الثمانين مليار الأخيرة، ستصلح حال التعليم المتهالك وما أفسده الدهر، والوزراء المتعاقبين؟!

السبت، 26 أبريل 2014

"هو والدي أيضا يا صديقة العمر"

    "هو والدي أيضا يا صديقة العمر"

بقلم: سارة العمري


ما زالت ذكرى والدي تؤلم قلبي كلما مرت ذكراه أمامي، ولكن الانسان يتصبر بلقيا من كان يحبهم، أولئك الأصدقاء الذين اصطفاهم لأخوته في حياته، ولذلك كان من البرّ بالميت تفقد أصدقاءه والأنس بوجودهم..

بيد أن الصدمات تتوالى، فأقرب الناس له لحقه قبل أيام ، وكان بمثابة الأب لي أيضا، وابنته أعز صديقاتي، فحزنت كثيراً وتألمت أكثر لعدم قدرتي على مواساة صديقة الطفولة، ورفيقة الدرب وشقيقة الروح.، فأنا بعيدة عنها، بسبب تباعد الديار.

مصابي في العمّ "محمد" لا يقل عن مصابها، وحزني تجدد مع أحزانها، فجرحي لم يبرأ بعد على فراق والدي وهاهو يتجدد بفراق والدها.

صبراً -ياصديقتي الأغلى- فجرحنا واحد، وحزننا واحد، وفقيدنا واحد..فهو والدي أيضا..

ها هو اليوم قد لحق بصاحبه فلم يمكث بعده طويلاً، فقد اصطحبا صغارا وترافقا شبابا وتجاورا شيوخا ورحلا معاً، فجمعهم الله في جنته وشملهم بعفوه ومغفرته.

لا تحزني ياصديقة العمر: فقد كان الوالد -رحمه الله-عف اللسان واليد، سليم الصدر كريم النفس، لا يفجر في الخصومة، ولا يبالغ في الكراهية، فلم يخاصم قريباً ولم يؤذي جاراً، اعتزل الفتن، وترك الجدل، فأراح نفسه وصان دينه وكف عن أذية من حوله.

مؤتمراً بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:
( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَده ) ،فلم يتكلم في عرض أحد ولم يقتطع حق بشر، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله.

كان سديد الرأي حكيماً، لا ينطق بالكلمة الا في موضعها، لا يسب ولا يشتم، ولا يطعن ولا يلعن، فقد كان -رحمه الله- من الذين ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما. ).!

قري عيناً –يا قسيمة الروح- وأهنئي بالاً فقد عاش رحمه الله بصمت ورحل بصمت، لا يطلب أحدا ولا يطالبه أحد، فهنيئاً لمن خرج من الدنيا كفافا لا له ولا عليه.

لن انسى -يا صديقة العمر- تلك المواقف التي عشناها سوياً معه -رحمه الله- وها هي تمرّ أمامي في شريط يعيدني لتلك السنوات الجميلة.

هل تذكرين – يا أنيسة النفس- عندما جاءكم من يخطب أختك الكبرى، وأراد والدك أن يشاوركم في الأمر، فوجدني معكم، وقد كان من أشد الناس حرصاً على أسرار بيته، فكان يتمثل في كل شأنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-
( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، فنظر إليّ حينها وقال: أنتِ أبنتي مثلهم.!

وكأنه يقول لي: إن هذا الأمر سر، فلا يزال معلقا لا نعلم هل يتم أم لا وأنا اثق بأنك لن تطلعين عليه أحد.

وقد تم الزواج ومازال مستمر حتى اليوم، ووالله ياصديقتي، لم يخرج هذا السر من لساني الا الآن، إكراماً لتلك النظرة الأبوية الحانية، ولتلك الثقة الغالية. 

لن أنسى أيتها الصديقة الوفية، عندما تقطعت بنا السبل لعدم توفر نقل مدرسي، يوصلنا لمدرستنا المتوسطة في قرية أخرى، فظننا ألا دراسة بعدها، فأخذنا نتحدث ونشتكي لبعضنا، فدخل علينا وقال: هل لديكم استعداد أن تذهبون للمدرسة بعد صلاة الفجر مباشرة، فصحنا فرحتين نعم.. نعم.

فكان رحمه الله يوصلنا لمدرستنا بعد الفجر، ويعود لعمله حتى الثانية ظهراً ثم يأتي لأخذنا، وأنا أتأمل شيباته الوقورة ووجهه المنهك، بعد عناء يوم طويل، مستمرا على هذا الحال حتى توفر النقل، دون تذمر أو شكوى.

معروفه لي في تلك المرحلة لن أنساه له، وسأظل أذكره وأدعو له ما حييت.


لن أنسى -أيتها الغالية- عندما كنت أتأخر أحياناً في الصباح، لأظفر شعري، وألبس مريولي، فأهرع وجلة إلى السيارة لمعرفتي بأنه رجل منظماً ودقيق جداً في مواعيده، يكره التأخير ولا يعترف بالانتظار، فيطالعني بنظرة عتب، ويشير إليك ويبتسم ويقول: لولاها لذهبت وتركتك.!

لن أنسى -ياصديقتي الحبيبة- عندما كان يفوز فريقه المفضل فيدخل علينا مبتسماً، ونحن نذاكر دروسنا فيغيظنا بحركته الشهيرة، حين يضرب إبهام بإبهام ويقول: بس بس.. بس.!، فنتضاحك أنتِ وأنا في براءة البنات، لتلك الحركات الجميلة منه رحمه الله.

لن أنسى ولن أنسى الكثير من المواقف التي لازالت عالقة بالذاكرة وستظل للأبد.


أبلغ حبيباً في ثنايا القلبِ منزلُه***أنّي وإن كنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ

وأنّ طرفي موصولٌ برؤيته***وإن تباعدَ عن سكنايَ سُكناهُ

ياليته يعلمُ أنّي لستُ أذكرُه***إذ كيفَ أذكره ولستُ أنساهُ


رحم الله الوالد العزيز "أبا عزيز" وأسكنه فسيح جناته، وأبدله دار خير من داره، وأهل خير من أهله، وجار خير من جاره، واجعل اللهم القبر من خير منازله، والفردوس الأعلى مستقره وقراره.

السبت، 19 أبريل 2014

عامٌ مضى.. منذُ رحيلك يا أبي

عامٌ مضى.. منذُ رحيلك يا أبي

بقلم: سارة العمري


خاطرة خنقتني وألحت عليّ، فبحُتُ بها ونثرتها بين أيديكم، فاعذروني إن عكرت صفوكم أو ذكرتكم بأحبة وغاليين على قلوبكم رحلوا عنكم.

نحن في الدهر صفحة من كتاب *** ثم يأتي الردى فيُطوَى الكتابُ. 

قد يغيب الحبيب يوماً فنأْسى *** كيف بالقلب لو يطول الغياب؟ 

رحلة الموت يا وشيك المنايا  ***  رحلةٌ لايكون منها إياب.

الدنيا محطات، وقفات وترحال، عبرات وزفرات، ونزيف مستمر من الآلام والأحزان، لم يسلم منها أحد، ولن ينجو من خطوبها بشر.

فهي دائمة العزف على أوتار الفقد، واستحضار الذكريات.

ها هو عامٌ مضى على رحيلك يا أبي..

عامٌ محمل بالآلام وحرقات الحنين إليك، بعدما توسد جسدك الطاهر الثرى..!


لقد رحلت وتركت بصمة شوق في قلبي لن يمحوها الزمن، ولو شاب رأسي، واحدودب ظهري، فلا أدري كم من العمر سأحتاج لأستوعب أنك لم تعد معنا ولا بيننا؟!!

فقد كنتُ على أمل يا أبي أن تطيب من وعكتك، وتقوم من فراش المرض.

دموعي الحارقة المنهمرة على رأسك لحظة الوداع كانت كفيلة بأن توقظك، لتخفف عني هذه المصيبة، وتصحو من غفوتك لتقول لي لا تبكي يا ابنتي الحبيبة، فأنا بخير.!!

ولكن سرعان ما تبدد الأمل، وأيقنت بأن هذه الغفوة كانت غفوتك الأخيرة.!

فلا زال يا أبي، بعد عام كامل ، منظر جسدك المُسجّى على السرير الأبيض أمام عيني، وخبر وفاتك يطرق أذني، لن أنسى ذاك اليوم، الذي فارقت فيه الحياة، ففارقت السعادة قلبي!!

حتى وإن ضحكت وتحدثت، وخالطت الناس ومارست الحياة، فالحسرة والحزن مازالتا تعتصر قلبي.!

أبي الحبيب..

كم أشعلت برودة الشتاء ورائحة الحطب التي كنت تعشقها، أحزاني وجددت لهيب أشواقي لوجهك الأنور، فجعلتني أناجيك وأبحث عنك في زوايا مجلسك، وبجوار " كانون النار "!! لعلي أسمعك تناديني أو أراك من جديد.

والله يا والدي،  ما انفردت لوحدي إلا وتمثلت أمام عيني بكل بهائك، ففاضت عيناي عليك حزنا وألماً وشوقاً وحنينا، وما وضعت رأسي على وسادتي إلا ويمر شريط ذكرياتي معك وأستحضر كل الشواهد والأيام التي خلت، فلا أملك سوى ذرف الدموع وقد تقطع قلبي أسفاً على رحيك يا أغلى البشر..

لقد كنت نعيم حياتي، ومصدر سعادتي، والحضن الدافئ الذي ارتمي فيه عندما تدلهم الحياة، فبجلوسي معك وحديثي إليك تزول عني هموم الدنيا ، ويتسع لي قلبك العامر بالإيمان والحنان ، فأنعم بفيض من الطهارة والأبوة والحب الحقيقي.

ولكن أين أنت الآن.. لقد رحلت يا والدي الأطهر والأجمل والأحنّ، تاركاً وراءك أنفسا أنهكها الشوق والحنين لرؤيتك، وسماع صوتك، وتنفس رائحتك والتمتع بعذب حديثك والنظر إلى وجهك، والتفاؤل بصالح دعائك، والاهتداء بجميل نصحك والنهل من فيض حكمتك.


فراقك يا والدي، ألمٌ وفجيعة وحزن لن يشعر بها إلا من عاش الفراق، وتجرع مرارته، فأكثر اللحظات ألماً عندما تقف عاجزاً أمام رحيل من تحب.!

كنت يا أبي لدنيانا كالقمر الذي يطل كل مساء، فيضيء عتمة الليل، ويذكرنا بأن الظلام يعقبه نور، والحياة لازالت تزهو بصنوف من الجمال والشهامة والنبل!

لطالما تمنيت يا والدي، أن يعود بي العمر للوراء، لأعيش معك من جديد وأقبل قدميك، فقد ندمت كثيراً على كل لحظة ضيعتها دون أن أراك، وأنعم بقربك وأفوز ببرّك.


تمنيت يا والدي، لو تعود ولو للحظات لأخبرك كم أحبك، وكم أنت غال في قلبي ، وكم كنت نور الحياة وزينتها، وكم هي الحياة تعيسة في غيابك، وكم هي السعادة ناقصة بدونك.! 


وها أنا اليوم أقف عاجزة عن رد جميلك، نادمة على تقصيري معك في حياتك، فلا أملك الآن شيئا لأصلك به سوى الدعاء لك كلما ذكرتك.


فوالله ما طلعت شمسٌ ولا غربت *** إلاّ وذكرك مقرونٌ بأنفاسي.

ولا شربتُ لذيذ الماء من ظمأٍ *** إلاّ رأيتُ خيالاً منكَ في الكأس.

ولا جلستُ إلى قوم أحدثهم *** إلاّ وكنتَ حديثي بين جُلاسي.

ولا ذكرتُكَ محزونًا ولا فـرحًا *** إلاّ وأنـتَ بقلبي بين إحساسي.

ولو قدرتُ على الإتيان جئتُكُمُ *** سعيًا على الوجه أو مشياً على الرّأسِ.

اللهم ارحم ميتاً ما زال في قلبي حيا، اللهم أنزله منازل الشهداء، واجعل مسكنه فردوسك الأعلى، بجوار نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم.

وانزل اللهم على قبره الضياء والنور، والفسحة والسرور، اللهم قِهِ السيئات ( ومن تق السيئات يومئذٍ فقد رحمته.)

إخوتي وأخواتي.. يا بقايا الأحبة ويا رائحة الغوالي:

اغفروا لي إن اثرت شجونكم، وجددت أحزانكم، ولكن نزف قلبي أبى الا أن يحرك قلمي، فينثر آهاتي عبر كلماتي، فلم أستطيع أن أتجاهل ذلك النداء والإلحاح من قلبي، فلو لم أكتب لتفجر صدري من أنين زفراتي..

فلتتسع قلوبكم الكبيرة، لعبرات وآهات أختكم الصغيرة.

الخميس، 3 أبريل 2014

عذراً آل البشري

"عذراً آل البشري.. عجزت كلماتي عن تعزيتكم!"


بقلم: سارة العمري
كاتبة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع.


  
منذ الأحد الماضي، وأنا أحاول الإمساك بالقلم، ولكن يدي تتثاقل، ودموعي تتسابق، وعباراتي تغص بعبراتي.!

فقد فُجعت كما فُجع الوطن بأكمله، من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه.
فُجعنا جميعاً بمصيبة الدكتور اسماعيل البشري وعائلته، بفقد أولادهم الخمسة، إنها والله لهي الفاجعة الكبرى، وإن ذلك لهو البلاء العظيم.

فكأنني بهم ولسان حالهم يقول:

عجبت لقلبي كيف لا يتفطرُ  ***   دهته جنود الحزن والله أكبرُ
فقدت احبائي الذين ألفتهم   ***    وأمسيت وحدي حائرا أتفكرُ
أراعي نجوم الليل في الروم والنوى *** يصارع لي قلبا يغيب ويحضرُ.!

فقد ولد واحد يذوب له القلب كمدا، وتبيّض العين حزنا، كيف لا وربنا عز وجل يخبرنا بحال يعقوب عليه السلام وما ألم به من حزن عندما فقد "يوسف"، وهو النبي المؤيد بالوحي، فكيف بحال غيره من البشر.؟!
يقول تبارك وتعالى: ( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ  وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ )

وهذا رسولنا _صلى الله عليه وسلم_ سيد الصابرين، وأرضى الخلق أجمعين لرب العالمين،عندما دخل على ابنه إِبراهِيم  وهو يجود بنفسه فأخذت عيناه تذرفان.
 فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟! فَقَالَ : ( يَا ابْنَ عَوْفٍ ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الْعَيْنَ   تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى  رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ.) "أخرجه أحمد".

إن الابتلاء بفقد الأحبة من أعظم البلاء، وفقد الولد يأتي في مقدمته، فالأولاد هم فلذات الأكباد، وريحانة الفؤاد، وربيع القلوب، وقرة العيون.!
فيا ربّ لطفك بمن فقدوا خمسة من أولادهم  أمام أعينهم، وهم في زهرة العمر، وريان الشباب.

والله ما فارقت صورة الأب المكلوم عيني، منذ رأيته يتهادى بين رجلين، باكياً حزيناً، وهو يلقي نظرة الوداع الأخير على أبنائه الخمسة  في مقبرة أم الحمام.

وليس الذي يجري من العين ماؤها ***  ولكنها روح تسيل فتقطر.!

ينظر إليهم بحزن وأسى، ولسان حاله يقول: ها نحن بدموع العين ودعناكم، وانصرفنا وتركناكم، ولو أقمنا ما نفعناكم، وربنا قد استودعناكم، والله يرحمنا وإياكم، ويجبر قلوبنا على فرقاكم، وفي الجنة بإذن الله نلقاكم.!

هذا حال الأب المكلوم، فما حال الأم الثكلى.؟
جبر الله مصابهم ورحم اللهم حالهم.

إن قلبي يتمزق وأنا أتساءل: كيف كان وقع الحادث عليهم؟ وكيف تلقوا خبر الوفاة؟
أي أرض أقلتهم وأي سماء أظلتهم؟ أي فضاء وسع آهاتهم، وأي رمال تشربت دموعهم؟! أي خطوات ثقال حملتهم؟ وأي بصر وبصيرة إلى الطريق هدتهم؟!

كيف ودّعوا فلذات الاكباد، ومهُجة الفؤاد، وبهجة الدنيا، وشموع الحياة، والتي إنطفأت فجأة ودون سابق إنذار؟!

فخَلَتِ الدِّيارُ كأنَّها لم تُؤهَلِ*** ومَضَى النَزِيلُ كأنَّهُ لم يَنزِلِ.!

ولكن أعود لأستغفر ربي وأقول قدر الله وما شاء فعل، وأتذكر وعد الله تعالى للمؤمنين الصابرين على البلاء , الراضين بمر القضاء في قوله سبحانه:
( ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ  الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ   وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

عذراً ال البشري..!
فما أملك من الكلمات، وما أحفظه من الأبيات، وما اتذكره من المقولات، وما أردده من العبر والعظات، وما أحاول أن أُنمقه من العبارات، وما أدعيه من فصاحة، وما أتقمصه من بلاغة.!

لا يوازي شيئاً من وجعكم، ولا يمحو ذرة من حزنكم، ولا يواسي جزءاً يسيراً من مصابكم.! ، فلا املك الا أن أتقاسم معكم دموعكم، علها تبلل بنداها قلوبكم المحترقة، وأدعوا لكم بالثبات ولأولادكم بالرحمة والمغفرة.

وأُعزيكم بقول الشاعر:
إني معزِّيك لا أني على ثقةٍ * * * من الخلودِ ولكنْ سنة الدينِ
فما المعزَّى بباق بعد ميته * * * ولا المعزِّي ولوْ عاشا إلى حينِ.!

وأبشركم بهذا الحديث الشريف..
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى _النبي صلى الله عليه وسلم_ بصبي لها، فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله له؛ فلقد دفنت ثلاثة قبله. فقال صلى الله عليه وسلم: ( دفنت ثلاثة؟!” -مستعظمًا أمرها- قالت: نعم، قال لقد احتضرت بحضار شديد من النار ). أي: لقد احتميت بحمى عظيم من النار.!

همسة...!
يقول الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله : تمسكوا بأحبتكم جيداً، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم فقد ترحلون أو يرحلون يوماً، وفي القَلب لهم حديث وشوق.!

واحذروا أن تخيطوا جرآحگم قبل تنظيفها من الداخل..!
[ ناقشوا , برروا , اشرحوا , اعترفوا ]
فالحياة قصيرة جداً، لا تستحق الحقد، الحسد، البُغض، قطع الرحم.!
غداً سنكون ذكرىَ فقط والموت لا يستأذن، ابتسموا وسامحوا من أساء إليكم.!