الخميس، 3 أبريل 2014

عذراً آل البشري

"عذراً آل البشري.. عجزت كلماتي عن تعزيتكم!"


بقلم: سارة العمري
كاتبة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع.


  
منذ الأحد الماضي، وأنا أحاول الإمساك بالقلم، ولكن يدي تتثاقل، ودموعي تتسابق، وعباراتي تغص بعبراتي.!

فقد فُجعت كما فُجع الوطن بأكمله، من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه.
فُجعنا جميعاً بمصيبة الدكتور اسماعيل البشري وعائلته، بفقد أولادهم الخمسة، إنها والله لهي الفاجعة الكبرى، وإن ذلك لهو البلاء العظيم.

فكأنني بهم ولسان حالهم يقول:

عجبت لقلبي كيف لا يتفطرُ  ***   دهته جنود الحزن والله أكبرُ
فقدت احبائي الذين ألفتهم   ***    وأمسيت وحدي حائرا أتفكرُ
أراعي نجوم الليل في الروم والنوى *** يصارع لي قلبا يغيب ويحضرُ.!

فقد ولد واحد يذوب له القلب كمدا، وتبيّض العين حزنا، كيف لا وربنا عز وجل يخبرنا بحال يعقوب عليه السلام وما ألم به من حزن عندما فقد "يوسف"، وهو النبي المؤيد بالوحي، فكيف بحال غيره من البشر.؟!
يقول تبارك وتعالى: ( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ  وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ )

وهذا رسولنا _صلى الله عليه وسلم_ سيد الصابرين، وأرضى الخلق أجمعين لرب العالمين،عندما دخل على ابنه إِبراهِيم  وهو يجود بنفسه فأخذت عيناه تذرفان.
 فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟! فَقَالَ : ( يَا ابْنَ عَوْفٍ ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الْعَيْنَ   تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى  رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ.) "أخرجه أحمد".

إن الابتلاء بفقد الأحبة من أعظم البلاء، وفقد الولد يأتي في مقدمته، فالأولاد هم فلذات الأكباد، وريحانة الفؤاد، وربيع القلوب، وقرة العيون.!
فيا ربّ لطفك بمن فقدوا خمسة من أولادهم  أمام أعينهم، وهم في زهرة العمر، وريان الشباب.

والله ما فارقت صورة الأب المكلوم عيني، منذ رأيته يتهادى بين رجلين، باكياً حزيناً، وهو يلقي نظرة الوداع الأخير على أبنائه الخمسة  في مقبرة أم الحمام.

وليس الذي يجري من العين ماؤها ***  ولكنها روح تسيل فتقطر.!

ينظر إليهم بحزن وأسى، ولسان حاله يقول: ها نحن بدموع العين ودعناكم، وانصرفنا وتركناكم، ولو أقمنا ما نفعناكم، وربنا قد استودعناكم، والله يرحمنا وإياكم، ويجبر قلوبنا على فرقاكم، وفي الجنة بإذن الله نلقاكم.!

هذا حال الأب المكلوم، فما حال الأم الثكلى.؟
جبر الله مصابهم ورحم اللهم حالهم.

إن قلبي يتمزق وأنا أتساءل: كيف كان وقع الحادث عليهم؟ وكيف تلقوا خبر الوفاة؟
أي أرض أقلتهم وأي سماء أظلتهم؟ أي فضاء وسع آهاتهم، وأي رمال تشربت دموعهم؟! أي خطوات ثقال حملتهم؟ وأي بصر وبصيرة إلى الطريق هدتهم؟!

كيف ودّعوا فلذات الاكباد، ومهُجة الفؤاد، وبهجة الدنيا، وشموع الحياة، والتي إنطفأت فجأة ودون سابق إنذار؟!

فخَلَتِ الدِّيارُ كأنَّها لم تُؤهَلِ*** ومَضَى النَزِيلُ كأنَّهُ لم يَنزِلِ.!

ولكن أعود لأستغفر ربي وأقول قدر الله وما شاء فعل، وأتذكر وعد الله تعالى للمؤمنين الصابرين على البلاء , الراضين بمر القضاء في قوله سبحانه:
( ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ  الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ   وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

عذراً ال البشري..!
فما أملك من الكلمات، وما أحفظه من الأبيات، وما اتذكره من المقولات، وما أردده من العبر والعظات، وما أحاول أن أُنمقه من العبارات، وما أدعيه من فصاحة، وما أتقمصه من بلاغة.!

لا يوازي شيئاً من وجعكم، ولا يمحو ذرة من حزنكم، ولا يواسي جزءاً يسيراً من مصابكم.! ، فلا املك الا أن أتقاسم معكم دموعكم، علها تبلل بنداها قلوبكم المحترقة، وأدعوا لكم بالثبات ولأولادكم بالرحمة والمغفرة.

وأُعزيكم بقول الشاعر:
إني معزِّيك لا أني على ثقةٍ * * * من الخلودِ ولكنْ سنة الدينِ
فما المعزَّى بباق بعد ميته * * * ولا المعزِّي ولوْ عاشا إلى حينِ.!

وأبشركم بهذا الحديث الشريف..
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى _النبي صلى الله عليه وسلم_ بصبي لها، فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله له؛ فلقد دفنت ثلاثة قبله. فقال صلى الله عليه وسلم: ( دفنت ثلاثة؟!” -مستعظمًا أمرها- قالت: نعم، قال لقد احتضرت بحضار شديد من النار ). أي: لقد احتميت بحمى عظيم من النار.!

همسة...!
يقول الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله : تمسكوا بأحبتكم جيداً، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم فقد ترحلون أو يرحلون يوماً، وفي القَلب لهم حديث وشوق.!

واحذروا أن تخيطوا جرآحگم قبل تنظيفها من الداخل..!
[ ناقشوا , برروا , اشرحوا , اعترفوا ]
فالحياة قصيرة جداً، لا تستحق الحقد، الحسد، البُغض، قطع الرحم.!
غداً سنكون ذكرىَ فقط والموت لا يستأذن، ابتسموا وسامحوا من أساء إليكم.!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق