عذراً صغيرتي لمى !!
بقلم: سارة العمري
كاتبة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع
أخذ
ابني الصغير ذو الست سنوات، يلعب ويقفز بين يدي، كعصفور جميل، فرحا
مسرورا، وفجأة وبدون شعور، ضممته إلى صدري بحب وفيض من حنان، فسرعان ماسرى
بي الخيال، إلى هناك إلى وادي الأسمر في تبوك، فتخيلت فتاة البئر "لمى
الروقي" وهي تقفز وتمرح، وضحكاتها تملاء المكان، ونظرات أمها وأبيها ترقبها
من بعيد، دون أن يعلم أحد منهم، إن تلك القفزات وتلكم النظرات، ستكون
الأخيرة، وإن لمى ستغيب للأبد، هكذا دون مقدمات أوسابق إنذار.
عندها انتبهت فجأة على صوت ولدي منذهلاً،!ودموعي تبلل خديّ.
وشعرت بالحزن يعتصر قلبي، تذكرت لمى ! وتذكرت أمها ! فأحسست بألمها ولوعتها.
عذرا صغيرتي لمى إن خذلناك..كأنني بك ولسان حالك أثناء سقوطك يقول: لاتفرحي كثيراً ايتها البئر التعيسة.!
لن
أمكث فيك كثيراً، فوطني لديه من الثروات والإمكانات، مايمكنه من استخراجي
بأسرع مما تتوقعين، فقد حفر أمثالك الألاف، واستخرج من قيعانها كنوزا
وثروات، ولن يعجز أن يستخرجني فأنا أغلى وأثمن من تلك الثروات.!!
عذراً صغيرتي لمى إن خذلناك..وأنتِ ترددين "بابا عبدالله يقول للوزاراء والمسؤلين: عاملوا المواطنين صغيرهم وكبيرهم كانهم أنا"!
لذلك ستستنفر جميع أجهزة الدولة لإنقاذي فلا تفرحي كثيراً أيتها البئر.!!
عذراً
صغيرتي لمى..إن حدثتِ نفسك أثناء السقوط وقلتِ: إن لم يكن وطني يمتلك من
الأجهزة والمعدات ماينقذني، فلا خوف ولا قلق، فهناك في بلادي شركة عملاقة،
لطالما أُعجبنا بإنجازاتها الباهرة، وافتخرنا بمشاريعها العظيمة، إنها
أرامكو صاحبة الخبرة الطويلة في أمثالك أيتها البئر المشؤومة.!
عذراً
صغيرتي لمى..إن ابتسمتِ ساخرةً من البئر وأنتِ تهوين إلى قاعها، وتنظرين
لتربتها المتهالكة عن اليمين والشمال، فتقولين لها: تعساً لك أيتها البئر
الا تعلمين..؟
ألا
تعلمين أن في بلادي أعرق الشركات، التي تغذت من خيرات وطني، واستقت من
موارده المليارات، ولديها من الخبرة في مثل هذه التربة والإنهيارات،
مايجعلها تتغلب عليك وتستخرجني من بين الأنقاض دون تردد أو مساومات.؟!!
عذراً
صغيرتي لمى..إن حدثت نفسك وقلتِ: إن عجز كل هولاء في انقاذي، فلن يبخل علي
وطني بالاستعانة باصحاب الخبرات من الدول الآخرى، فروحي غالية جداً فربي
عز وجل قال: ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأنَمَا أَحْيَا النَاسَ جَميِعَاً )
وان
كان ولابد وفارقت روحي جسدي، وطارت إلى هناك حيث النعيم المقيم، فجسدي
مكرم، وتكريمه دفنه كما قال: رسولي -صلى الله عليه وسلم- فلن يتركوني هكذا،
ويحرموا أبي وأمي من إلقاء نظرة الوداع الآخير، على جسدي الطاهر قبل أن
يتحلل.!
عذراً
صغيرتي لمى..على كل آمالك التي خذلناها، فلستِ ابنة صاحب سمو أو معالي،
ولستِ برميل نفط تبيعه أرامكو بثمن غالٍ، ولستِ قصراً أو شركةً أو حتى
"شبك"..!! لأحد من علية القوم، فيعمد بن لادن بالتنفيذ الفوري.!
فها
أنتِ تكملين خمسة عشر يوماً في غياهب الجب ،وأبوك المكلوم واقفاً على شرفة
البئر،يعد الساعات والثواني، على أمل أن يكحل عينيه برؤيتك، وأمك الثكلى
تنظر لشاشة الهاتف، لعله يأتيها بخبر يسعد قلبها الذي يتمزق ألماً، ويطفيء
لوعة روحها التي تشتعل كمداً.
عذراً
صغيرتي لمى..فقد خابت آمالك وآمال والديك، إلا من ربكم الكريم، الذي وعدك
بأن تكوني طيرا من طيور الجنة، ووعدهما أن تأخذي بيديهما شفيعةً فيهما إلى
الجنة.
وهناك
يا صغيرتي..ستجتمع الخصوم، وتنصب محكمة أعدل الحاكمين، وتؤخذ الحقوق دون
تخاذل أو متاجرة رخيصة بالأرواح، فقري عيناً ونامي طويلا، فلن يضيع لك هناك
حق أبدا.
صبراً
أبا لمى صبراً أم لمى، فإبنتكما الآن ترفرف بجناحيها في الجنة، وليس في
البئر البئيس سوى جثة هامدة، سيتولاها الله بلطفه ورحمته.
شكراً
دفاعنا المدني، شكراً لكل فرد من أفرادك، ضحى بنفسه في المخاطر، وواصل
الليل بالنهار في جو متجمد بارد، شكراً لكم يارجال المهمات الصعبة، فقد
بذلتم كل مافي وسعكم، حسب أمكانياتكم، وقليل منكم المتخاذل، فلن نعمم أخطاء
أفراد على منظومة كاملة، تعمل بكل إخلاص وتفان، وكان الله في عونكم، فأنتم
دائما في الواجهه فتلقى عليكم اللوائم!!
شكراً
أيها الشعب السعودي النبيل، يامن أثبتم بأنكم كالجسد الواحد، وقفتم صفاً
واحداً،وتفاعلتم مع "قضية لمى" بقلوبكم ومشاعركم، بدموعكم ودعواتكم،
بأرواحكم وأموالكم، فمنكم من سهر الليل يدعو ويبتهل، ومنكم من قدم نفسه
رخيصة متبرعاً بالنزول في البئر، ومنكم من سعى جاهداً لإختراع أدوات تساعد
في عملية الإنقاذ، فشكراً لكم أيها الشعب العظيم فأنتم دائما تثبتون بإنكم
جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
لا
عزاء، لكل متخاذل خذل لمى وذويها، وأورثهم حسرة لن ينسوها، لاعزاء،
لإعلامنا الرسمي الغائب في جميع قضايا المواطن المهمة، والذي يطل علينا في
مثل هذه القضايا، بخبر مبتور على إستحياء مرفوض.
ياالله .. رائعه لا اذاقك الله مر الفقد
ردحذف