مدينة افلاطون و"خرخرة" المشروعات!!
بقلم: سارة العمري
كاتبة سعودية
( والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها، لمَ لمْ تمهد لها الطريق ياعمر )!
خرجت
مساء يوم السبت الماضي، بصحبة أولادي لقضاء بعض حاجيات البيت، في شمال
الرياض، وبطريقنا دخلنا أحد المطاعم وقت صلاة العشاء، والجو صحو تماماً،
وخرجنا بعد ساعة واحدة، وإذا بالشوارع قد تحولت إلى برك ماء كبيرة وبحيرات.
هلعنا
وأبنائي، إذ كانت السيارة التي نركبها تسير على بحر المياه، ولولا لطف
الله ثم معرفة السائق الجيدة بالشوارع والطرقات داخل الأحياء لحصلت كارثة،
فجميع الشوارع اللتي مررنا بها من شمال الرياض إلى شرقه، كانت وبلا إستثناء
تطفح بالمياه، والسيارات عالقة، والناس قد بلغت قلوبهم الحناجر، من الخوف
والرعب.
ابني الصغير كان يسألني: "ماما"متى نوصل البيت؟
كنت أجيبه إجابة أم والهة مشفقة: خلاص "حبيبي قربنا"
فيرد عليّ :كيف تعرفين إنا قربنا وحنا مانشوف شيء الا المويه؟!!
نجونا
بفضل الله بعد ساعتين من الزحف مرة، والسباحة مرة، وركوب الأرصفة مراراً،
ولكن غيرنا لم ينجو، فهناك من بقي عالقاً حتى اليوم الثاني، وهناك من لازال
مفقوداً حتى الساعة.
فقد
أعلنت الإدارة العامة للدفاع المدني بالرياض، إن عدد "البلاغات" التي
تلقتها الإدارة خلال الفترة الماضية، في منطقة الرياض، بلغت 4766 بلاغاً.
وأوضحت "الإدارة": أن "البلاغات" شملت إنقاذ " 121 "شخصاً، منهم ثماني عائلات، ورفع 413 مركبة جرفتها السيول.
وعدد المفقودين حتى الأن " ٧ " وأعلن عن حالة وفاة واحدة.
هذا والأمطار لم تستمر سوى ساعتين.!!
أنتظر الأيام المقبلة ويدي على قلبي، كيف سيكون الحال، وكم ستكون الخسائر؟
كم
من بيت أقتحمته المياه، بسب المخططات التي وضعت في الأودية ومجاري السيول،
وكم من مبنى حكومي يعتبر من واجهات البلد ومعالمه تضرر، وفضحها الجنرال
"مطر" كمطار الملك خالد، وجامعة الأميرة نورة التي كلفت المليارات !! ومستشفى الأمير محمد بن عبدالعزيز، الذي لم يمضي
على إفتتاحه سوى عدة أشهر، و و وغيرها الكثير.
هنا نتسأل وبكل شفافية، فكم نسمع هذه الكلمة الفضفاضة، على ألسنة المسؤولين، والنتيجة : "خرخرة" المشاريع من كثرة شفافيتها !!
من المتسبب في هذا الفساد المستشري في جميع أجهزة الدولة؟
والذي لم يستثن منطقة من مناطق المملكة وعلى رأسها العاصمة الرياض؟
أين المليارات التي صرفت على هذه المشاريع، التي ظهرت بتلك الهشاشة لجميع مشاريع البنية التحتية، على طول البلد وعرضه؟
تعالوا معي نستعرض ميزانية أمانة منطقة الرياض فقط لهذا العام، لقد تجاوزت 6.5مليارات ريال، "سته ونصف مليااار ريال"!!
وقد
صرح أمين منطقة الرياض، عبدالرحمن المقبل لإحدى الصحف بقوله: إن المشروعات
التي تنفذها الأمانة حالياً، تشمل تنفيذ مشروعات كبرى لدرء أخطار السيول،
وتصريف مياه الأمطار، في كافة أحياء مدينة الرياض بقيمة إجمالية لتلك
المشروعات بلغت..؟ (1.976.426.615) ملياراً وتسعمئة، وستة وسبعين،وأربعمئة
وستة وعشرين، وستمئة وخمسة عشر ألف ريال.!!
ياااإلهي لقد إنقطع نفسيّ وأنا أكتب المبلغ!!
ياترى وبكل شفافية..!! في بطن أي هامور سقط هذا المبلغ سهواً؟'
فلم نر له أي أثر على أرض الواقع، أم يكون قد سقط في إحدى الحفريات، والتهمته السيول، على حين غِرةً من الأمانة، عديمة الأمانة؟!
ونذكّر الأمانة، بإن تقرير رئاسة الأرصاد يقول: إن مستوى الأمطار التي هطلت على الرياض، تعد ضمن المستوى الطبيعي رغم غزارتها.
إذاً فأزمة التصريف، خلل إداري، وفساد مالي، وليس بسبب رحمة الباري.
لذلك
نحن نحتاج إلى جانب حملة تصحيح العمالة، حملة تصحيح تشمل المسؤولين
الفاسدين، الذين نهبوا خيرات الوطن، وخانوا المواطن، وأضاعوا الأمانة.
ولكي لاتتحول الأمور الطبيعية المعتادة إلى كوارث تدميرية، يجب محاسبة ومعاقبة، المفرط والمتسبب في هذا الخراب بلا هوادة.
ومن أجمل ماقرأت من التعليقات على سيول الرياض قول أحدهم :
ماأدري أسكت والا أتهور وأقول: أن عندي حلا واحدا.. ولا هو من ضمن : الحلول: عدّلوا مجرى "الأوادم" يعتدل مجرى "السيول" !!
لقد مات افلاطون وهو ينتظر تحقيق حلمه، بالمدينة الافلاطونية الفاضلة..!
ولقد
هرمنا..! ونحن نحلم بهذه المدينة، والتي يمكننا بناؤها لو طبقنا تعاليم
ديننا الإسلامي الحنيف، فلو حافظ كل مسؤول على الأمانة والقسم الذي أقسمه
أمام الله ثم أمام خلقه.
كما في قوله تعالى: ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )، لوضع لبنة في جدار هذه المدينة.!
ولو تمت محاسبة الأمير قبل الفقير، والكبير قبل الصغير، وتعلمنا وعملنا بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
(
إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ
الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ , وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ ,
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ
سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )،
لأقمنا بذلك جدران المدينة!
لأقمنا بذلك جدران المدينة!
ولوحققنا
العدالة الإجتماعية كما فعل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وقت المجاعة: حين
كان يقول لبطنه ( قرقري أو لا تقرقري، لن تذوقي اللحم حتى يشبع أطفال
المسلمين)،لأكتمل عندها بنيان المدينة.
وقد عرف افلاطون العدالة التي هي أساس مدينته الحلم، بأنها "تعاون كل أجزاء المجتمع تعاوناً متوازناً فيه الخير للكل".
إذاً
فالمدينة الفاضلة التي نحلم بها، أساسها الإنسان نفسه، سواء كان مسؤولاً
أو موظفاً، عاملاً أو مراجعاً، كبيراً أم صغيراً، رجلاً أو امرأة، مواطناً
أو مقيماً.
متى سنعيش في المدينة الفاضلة بشخوصها الأفاضل؟!
ألم يحن الوقت لتحقيق الحلم الافلاطوني المنتظر؟!
أم إن علتنا ستبقى كما قال يوسف السباعي: تلك هي العلة في هذا البلد، أن الذي يحس بالمصاب لا يملك منعه، والذي يملك منعه لا يكاد يحس به !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق