الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

نحمي رعاياهم .. ويقتلون أبناءنا

نحمي رعاياهم .. ويقتلون أبناءنا
 
 
بقلم: سارة العمري
 
 
 
ثلاثون يوماً مؤلمة، عشناها مع أسرة عبدالله القاضي -رحمه الله- بين ترقب وانتظار، ألمٌ وأمل، خوفٌ ورجاء. وكانت الأخبار التي تردنا عن قضيته شحيحة جداً، وباجتهادات فردية فقط، جعلت كل أم لديها إبن مبتعث تتعاطف مع أم عبدالله وتشعر بقلقها وأنينها في جوف الليالي تنشد عن ولدها..
 
للأسف لم تُفرد لخبر إختفائه الصفحات الأولى في صحافتنا الرسمية، ولم يرد خبراً عاجلاً على قناة العرببة أو قنواتنا الاخبارية، كما فعلت مع خبر مقتل "الأمريكي" في الرياض.!
 
"العربية" خصصت له ساعات من التغطية والبث، وجعلته خبر رئيسياً في نشراتها، فلم تدع شاردة ولا واردة الا ذكرتها، ولاشخصاً يملك أية معلومة عن القضية مها صغرت الا واستضافته، وجندت مراسليها للبحث والتحري، حتى جمعت أدق التفاصيل عن القاتل منذ ولادته في ولاية امريكية، إلى خبر فصله من شركة امريكية.!
كل هذا في وقت قياسي وجيز، متغلبة على كالة الاستخبارات االأمريكية ال "CIA".!
 
لو أن "العربية" -وغيرها من قنواتنا الاخبارية المحسوبة على وطننا- أولت قضية إختفاء أبننا "السعودي" عبدالله القاضي، الذي قتله الأمريكان، ربع هذا الإهتمام لتفاعل معها الشعب والإعلام الامريكي، وبالتالي كثفت أجهزة الشرطة بحثها ولم يستغرق كل هذه المدة.
 
كم كانت فجيعتي كبيرة، إذ لا أنسى تلك الليلة المظلمة كظلمة الخبر الذي سامراتنا به، وأنا أضع رأسي على وسادتي لأخلد للنوم، وفتحت "تويتر" للإطلاع على آخر الأخبار، وليتني لم أفتحه، إذ فوجئت بالخبر الصاعقة: "العثور على المبتعث السعودي عبدالله القاضي مقتولاً.."، لم أملك إلا أن أردد:
 
يانائم الليل مسروراً بأوله،،،إن الحوادث قد يطرقن أسحارا.
 
قفزت من سريري مذعورة، وقد دبت الرجفة في جسدي، فتنملت أطرافي ولم تعد تحملني، ارتعدت فرائصي، تسارعت نبضات قلبي، أحسست برعب وحزن شديدين، ودون شعور أخذت أبحث في هاتفي عن رقم ولدي محمد المبتعث هناك في أمريكا، تشابهت عليّ الأسماء واختلطت أمامي الأرقام، وبصعوبة استطعت استخراج رقمه، اتصلت به ودموعي تنهمر بغزارة، وقلبي يكاد يقفز من بين أضلعي..


بادرته ملهوفة: ولدي حبيبي أين أنت وماذا تفعل ومن معك وأين ذهبت اليوم وإلى أين ستذهب غداً.؟ ماهي أخبارك وكيف هي أحوالك؟، هل مدينتك أمنة؟ وهل شقتك بوسائل السلامة عامرة؟، هل طريق جامعتك سالك أم ملئ بالمخاوف؟؟ و و و و..سيل من الأسئلة التي لم أدع له مجالاً للإجابة عليها.
 
ثم أمطرته بوابل من النصائح، انتبه لنفسك، حافظ على صلاتك وأذكارك، احفظ الله يحفظك، لا تذهب للأماكن الخطرة، لاتتجول بمفردك، لاتخرج الا لضرورة.. وهو يطمأنني ويهدئ من روعي، ولكن عبثاً يفعل، فالخوف عليه قد تملكني وشوّش كل تفكيري، ولكني فوضت أمري لله واستودعته إياه وأنهيت المكالمة، ودموعي تتساقط، وصدري متحشرج بالآهات المكتومة..
 
ياترى لو كنا نتيقن أن أمريكا وأوربا وسائر بلدان الابتعاث، تولي أبناءنا ولو جزءا يسيرا من الإهتمام والحماية، التي نوليها لرعاياهم المقيمين في بلادنا، هل كنت سأفزع ذلك الفزع وأقلق بتلك الطريقة على ولدي.؟
 
أم أنني كنت سأتصرف بهدوء واطمئنان، وأسلم فوراً بقضاء الله وقدره، مع يقين بأن هذا أجل عبدالله وقدره، وأن ماحصل له ليس نتيجة اهمال او تقصير من أي جهة كانت، بل هو مجرد حادث عرضي قد يحدث مثله في أي مكان في العالم.؟
 
إن خوفنا على أبناءنا وعدم ثقتنا في طريقة التعامل ووسائل الحماية، التي تقدم لهم في تلك الدول، وعدم وجود الأهتمام والرعاية والمتابعة الكافية من ملحقياتنا هناك، يجعلنا نعيش في قلق دائم وخوف مستمر.

تعدو الذئاب على من لا كلاب له،،،وتتقي صولة المستنفر الحامي.!
 
عدت لسريري وقد جفا النوم عيني، ولا أرى إلا خيال والدة عبدالله، كيف هو حالها؟ وكيف قضت الثلاثين يوماً من الإنتظار المرير، وكيف تلقت خبر وفاة إبنها وفلذة كبدها وريحانة فؤادها.

ياالله كيف تبدد الأمل، وتبدل الحلم.. كانت تحلم بعودته حاملاً شهادة  تخرجه وثمرة جهده وحصاد غربته؟ فعاد لها محمولاً داخل كفن، ومعه شهادة وفاته وخروجه النهائي من الحياة.
رحمك الله ياعبدالله القاضي، وربط على قلب أمك وأبيك، وجمعهم بك هناك في الجنة، حيث اللقاء الذي لافراق بعده، والسعادة الدائمة والنعيم الأبدي.
 
تخيلت تلك الأم المكلومة وهي تقلب ألبوم صوره، تفتح دولابه وتشم ملابسه، تقلب كتبه وتقرأ مذكراته، تتخيله في زوايا غرفته، تمد يدها لتوقظه من سريره، تشم رائحة عطره تملأ المنزل، تناديه باسمه فتسمع صدى صوته وضحكاته في أذنيها.
 
بكيت وبكيت وقلت: آه على الأقدار كيف تغير مسيرة الحياة، وكيف تقلب الأفراح أتراحا، والأمال آلاما، ولكن هذا قضاء الله وقدره فالحمدلله على كل حال..هذه الدنيا وتلك هي أحوالها وهكذا أحكامها..
 
حكم المنية في البرية جاري،،،ما هذه الدنيا بدار قرار
 
بيناً يُرى الإنسان فيها مخبراً،،،حتى يُرى خبراً من الأخبار
 
جبلت على كدرٍ وأنت تريدها،،،صفواً من الأقذاء والأكدار
  
أطالب الملحقيات السعودية في بلدان الإبتعاث، أن يقوموا بالدور الذي وجدوا من أجله، وهو متابعة وتوعوية وتثقيف أبناءنا وبناتنا المبتعثين، وإعلامهم بالمواقع المشبوهة والأماكن الخطرة وتحذيرهم منها، فأبناؤنا أمانة في أعناقهم، سنسألهم عنها يوم القيامة إن هم أضاعوها.
 
أم عبدالله، احتسبي أيتها المكلومة، واسألي الله لقاء ابنك في الجنة.

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

"أعرابي زمزم" ومعيار الوطنية

"أعرابي زمزم" ومعيار الوطنية
 
 
بقلم: سارة العمري


 
عندما تكون الوطنية سيفا يسلط -من قبل بعض المختلين- على رقابنا لامتحاننا فتلك مصيبة، والمصيبة الأطم عندما توضع في معيار مضاد لقناعتنا الدينية.
 
عندما يأتي بعض هؤلاء الكتاب الذين هم على طريقة "اعرابي زمزم" يريدون الشهرة وتصفية الحسابات باسم الوطنية، فلا تملك إلا أن تصفق كفا بكف وتتحسر على حال الاعلام..
 
كتب أحدهم مقالا مؤخرا في صحيفة الحياة يطعن في وطنية أبناء وطنه السعودية.!
 
حيث ربط الوطنية بالإكتتاب في البنك الأهلي من عدمه.!
 
بقوله: اكتتاب البنك الأهلي سيسقط الأقنعة الصحوية أو يربك السعودية، فلا دليل سواه على النجاة أو المصيبة. هو جانب أولي للرهان على المستقبل وتأكيد الوطنية، هو امتحان توجه السعوديين والتعرف إلى بوصلتهم،.!
 
هنا أقول: سبحان ربي متى كان استحلال الحرام مقياس للوطنية وقارب للنجاة وأمان للمستقبل.؟
 
متى أصبح الإمتناع عن أكل الربا "خيانة وطنية" وامتحان لولاء أبناء هذه البلاد الطاهرة والتعرف على إنتماءتهم.؟
 
متى كانت الأحكام الشرعية وتحريم ماحرم الله مجرد خطابات فرز حادة، واتهامات عاطفية كما يدعي الكاتب.!
 
متى كانت السعودية تخوض حرب وجود مع الدين والمتدينين، وهي حاضنة الحرمين الشريفين، وحاملة راية الإسلام والدفاع عنه في جميع المحافل الدولية.


متى أصبح التمسك بثوابت الدين انتهاك لهيبة الدولة، وتعطيل لمسيرة الوطن التنموية.
 
كيف اصبح اكتتاب في أسهم ربوية، ممارسة ديموقراطية حتمية ونهائية، ودراسة استقصائية للرأي العام.؟
 
ماذا يقول هذا الكاتب ومن يخاطب.؟
إنه يخاطب أبناء بلاد الحرمين، الذين ولدوا على الفطرة، ورضعوا الدين وتعاليمه مع حليب أمهاتهم، فبقدر تمسكهم بهذا الدين تكون وطنيتهم أقوى وولائهم أوثق.
 
فهذا الوطن قائم على الإسلام وشعاره كلمة التوحيد، والبيعة التي في أعناق أبناءه لولاة الأمر حفظهم الله على الكتاب والسنة، وليست على اكتتاب البنوك الربوية.!
 
ياللعجب هل من الوطنية والمواطنة الحقة، أن يدعونا هذا الجاسر أن نكون من العصاة الذين لم يعلن الله الحرب في كتابه إلا عليهم.
 
يقول الله -تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلّمونْ..}
 
إن المصيبة الأعظم في ذلك المقال المريض ليست في تخوين من يمتنع عن الاكتتاب فحسب، بل في ربط التحليل والتحريم بالمعاملات التجارية والقرارات الإدارية، وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد بالعزف المستمر على "سمفونية الوطنية".
 
لقد اشتمل هذا المقال  على بعض ما أعلنته وزارة الداخلية من محظورات :
 
*كالسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية.
*والتشكيك في ثوابت الدين.
 
فهل سيحاسب كاتبه أم أن لديه حصانة من جهات غير معلومة.!
 
إن هذا والله لهمز شياطين ومكر منافقين.!
يراد به انتزاع الدين من حياة الناس، وفصله عن جميع معاملاتهم.


لكن خاب أولئك وخسروا، فالإنتفاضة التي أحدثها هذا الشذوذ في الطرح والغلو في القول، في أوساط مجتمعنا المسلم المحافظ بجميع اطيافه،
 أثبتت إن تعاليم الدين خط أحمر لايمكن تجاوزه.


ربما سيقبل على الاكتتاب غدا بعض مرضى القلوب، او ممن افتتن وتكالب على جمع المال، ولكن هل هذا مؤشر على حالة التدين، لا أتصور ذلك، التحدي الحقيقي في صناديق اقتراع حقيقية ليعرف من ينحاز له المجتمع، أو ليظهر هذا الكاتب في محاضرة بالنادي الأدبي وفي المسجد المجاور داعية مبتدئ ، وليعرف لمن يتجه الناس ويسمعوا.