السبت، 26 أبريل 2014

"هو والدي أيضا يا صديقة العمر"

    "هو والدي أيضا يا صديقة العمر"

بقلم: سارة العمري


ما زالت ذكرى والدي تؤلم قلبي كلما مرت ذكراه أمامي، ولكن الانسان يتصبر بلقيا من كان يحبهم، أولئك الأصدقاء الذين اصطفاهم لأخوته في حياته، ولذلك كان من البرّ بالميت تفقد أصدقاءه والأنس بوجودهم..

بيد أن الصدمات تتوالى، فأقرب الناس له لحقه قبل أيام ، وكان بمثابة الأب لي أيضا، وابنته أعز صديقاتي، فحزنت كثيراً وتألمت أكثر لعدم قدرتي على مواساة صديقة الطفولة، ورفيقة الدرب وشقيقة الروح.، فأنا بعيدة عنها، بسبب تباعد الديار.

مصابي في العمّ "محمد" لا يقل عن مصابها، وحزني تجدد مع أحزانها، فجرحي لم يبرأ بعد على فراق والدي وهاهو يتجدد بفراق والدها.

صبراً -ياصديقتي الأغلى- فجرحنا واحد، وحزننا واحد، وفقيدنا واحد..فهو والدي أيضا..

ها هو اليوم قد لحق بصاحبه فلم يمكث بعده طويلاً، فقد اصطحبا صغارا وترافقا شبابا وتجاورا شيوخا ورحلا معاً، فجمعهم الله في جنته وشملهم بعفوه ومغفرته.

لا تحزني ياصديقة العمر: فقد كان الوالد -رحمه الله-عف اللسان واليد، سليم الصدر كريم النفس، لا يفجر في الخصومة، ولا يبالغ في الكراهية، فلم يخاصم قريباً ولم يؤذي جاراً، اعتزل الفتن، وترك الجدل، فأراح نفسه وصان دينه وكف عن أذية من حوله.

مؤتمراً بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:
( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَده ) ،فلم يتكلم في عرض أحد ولم يقتطع حق بشر، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله.

كان سديد الرأي حكيماً، لا ينطق بالكلمة الا في موضعها، لا يسب ولا يشتم، ولا يطعن ولا يلعن، فقد كان -رحمه الله- من الذين ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما. ).!

قري عيناً –يا قسيمة الروح- وأهنئي بالاً فقد عاش رحمه الله بصمت ورحل بصمت، لا يطلب أحدا ولا يطالبه أحد، فهنيئاً لمن خرج من الدنيا كفافا لا له ولا عليه.

لن انسى -يا صديقة العمر- تلك المواقف التي عشناها سوياً معه -رحمه الله- وها هي تمرّ أمامي في شريط يعيدني لتلك السنوات الجميلة.

هل تذكرين – يا أنيسة النفس- عندما جاءكم من يخطب أختك الكبرى، وأراد والدك أن يشاوركم في الأمر، فوجدني معكم، وقد كان من أشد الناس حرصاً على أسرار بيته، فكان يتمثل في كل شأنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-
( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، فنظر إليّ حينها وقال: أنتِ أبنتي مثلهم.!

وكأنه يقول لي: إن هذا الأمر سر، فلا يزال معلقا لا نعلم هل يتم أم لا وأنا اثق بأنك لن تطلعين عليه أحد.

وقد تم الزواج ومازال مستمر حتى اليوم، ووالله ياصديقتي، لم يخرج هذا السر من لساني الا الآن، إكراماً لتلك النظرة الأبوية الحانية، ولتلك الثقة الغالية. 

لن أنسى أيتها الصديقة الوفية، عندما تقطعت بنا السبل لعدم توفر نقل مدرسي، يوصلنا لمدرستنا المتوسطة في قرية أخرى، فظننا ألا دراسة بعدها، فأخذنا نتحدث ونشتكي لبعضنا، فدخل علينا وقال: هل لديكم استعداد أن تذهبون للمدرسة بعد صلاة الفجر مباشرة، فصحنا فرحتين نعم.. نعم.

فكان رحمه الله يوصلنا لمدرستنا بعد الفجر، ويعود لعمله حتى الثانية ظهراً ثم يأتي لأخذنا، وأنا أتأمل شيباته الوقورة ووجهه المنهك، بعد عناء يوم طويل، مستمرا على هذا الحال حتى توفر النقل، دون تذمر أو شكوى.

معروفه لي في تلك المرحلة لن أنساه له، وسأظل أذكره وأدعو له ما حييت.


لن أنسى -أيتها الغالية- عندما كنت أتأخر أحياناً في الصباح، لأظفر شعري، وألبس مريولي، فأهرع وجلة إلى السيارة لمعرفتي بأنه رجل منظماً ودقيق جداً في مواعيده، يكره التأخير ولا يعترف بالانتظار، فيطالعني بنظرة عتب، ويشير إليك ويبتسم ويقول: لولاها لذهبت وتركتك.!

لن أنسى -ياصديقتي الحبيبة- عندما كان يفوز فريقه المفضل فيدخل علينا مبتسماً، ونحن نذاكر دروسنا فيغيظنا بحركته الشهيرة، حين يضرب إبهام بإبهام ويقول: بس بس.. بس.!، فنتضاحك أنتِ وأنا في براءة البنات، لتلك الحركات الجميلة منه رحمه الله.

لن أنسى ولن أنسى الكثير من المواقف التي لازالت عالقة بالذاكرة وستظل للأبد.


أبلغ حبيباً في ثنايا القلبِ منزلُه***أنّي وإن كنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ

وأنّ طرفي موصولٌ برؤيته***وإن تباعدَ عن سكنايَ سُكناهُ

ياليته يعلمُ أنّي لستُ أذكرُه***إذ كيفَ أذكره ولستُ أنساهُ


رحم الله الوالد العزيز "أبا عزيز" وأسكنه فسيح جناته، وأبدله دار خير من داره، وأهل خير من أهله، وجار خير من جاره، واجعل اللهم القبر من خير منازله، والفردوس الأعلى مستقره وقراره.

السبت، 19 أبريل 2014

عامٌ مضى.. منذُ رحيلك يا أبي

عامٌ مضى.. منذُ رحيلك يا أبي

بقلم: سارة العمري


خاطرة خنقتني وألحت عليّ، فبحُتُ بها ونثرتها بين أيديكم، فاعذروني إن عكرت صفوكم أو ذكرتكم بأحبة وغاليين على قلوبكم رحلوا عنكم.

نحن في الدهر صفحة من كتاب *** ثم يأتي الردى فيُطوَى الكتابُ. 

قد يغيب الحبيب يوماً فنأْسى *** كيف بالقلب لو يطول الغياب؟ 

رحلة الموت يا وشيك المنايا  ***  رحلةٌ لايكون منها إياب.

الدنيا محطات، وقفات وترحال، عبرات وزفرات، ونزيف مستمر من الآلام والأحزان، لم يسلم منها أحد، ولن ينجو من خطوبها بشر.

فهي دائمة العزف على أوتار الفقد، واستحضار الذكريات.

ها هو عامٌ مضى على رحيلك يا أبي..

عامٌ محمل بالآلام وحرقات الحنين إليك، بعدما توسد جسدك الطاهر الثرى..!


لقد رحلت وتركت بصمة شوق في قلبي لن يمحوها الزمن، ولو شاب رأسي، واحدودب ظهري، فلا أدري كم من العمر سأحتاج لأستوعب أنك لم تعد معنا ولا بيننا؟!!

فقد كنتُ على أمل يا أبي أن تطيب من وعكتك، وتقوم من فراش المرض.

دموعي الحارقة المنهمرة على رأسك لحظة الوداع كانت كفيلة بأن توقظك، لتخفف عني هذه المصيبة، وتصحو من غفوتك لتقول لي لا تبكي يا ابنتي الحبيبة، فأنا بخير.!!

ولكن سرعان ما تبدد الأمل، وأيقنت بأن هذه الغفوة كانت غفوتك الأخيرة.!

فلا زال يا أبي، بعد عام كامل ، منظر جسدك المُسجّى على السرير الأبيض أمام عيني، وخبر وفاتك يطرق أذني، لن أنسى ذاك اليوم، الذي فارقت فيه الحياة، ففارقت السعادة قلبي!!

حتى وإن ضحكت وتحدثت، وخالطت الناس ومارست الحياة، فالحسرة والحزن مازالتا تعتصر قلبي.!

أبي الحبيب..

كم أشعلت برودة الشتاء ورائحة الحطب التي كنت تعشقها، أحزاني وجددت لهيب أشواقي لوجهك الأنور، فجعلتني أناجيك وأبحث عنك في زوايا مجلسك، وبجوار " كانون النار "!! لعلي أسمعك تناديني أو أراك من جديد.

والله يا والدي،  ما انفردت لوحدي إلا وتمثلت أمام عيني بكل بهائك، ففاضت عيناي عليك حزنا وألماً وشوقاً وحنينا، وما وضعت رأسي على وسادتي إلا ويمر شريط ذكرياتي معك وأستحضر كل الشواهد والأيام التي خلت، فلا أملك سوى ذرف الدموع وقد تقطع قلبي أسفاً على رحيك يا أغلى البشر..

لقد كنت نعيم حياتي، ومصدر سعادتي، والحضن الدافئ الذي ارتمي فيه عندما تدلهم الحياة، فبجلوسي معك وحديثي إليك تزول عني هموم الدنيا ، ويتسع لي قلبك العامر بالإيمان والحنان ، فأنعم بفيض من الطهارة والأبوة والحب الحقيقي.

ولكن أين أنت الآن.. لقد رحلت يا والدي الأطهر والأجمل والأحنّ، تاركاً وراءك أنفسا أنهكها الشوق والحنين لرؤيتك، وسماع صوتك، وتنفس رائحتك والتمتع بعذب حديثك والنظر إلى وجهك، والتفاؤل بصالح دعائك، والاهتداء بجميل نصحك والنهل من فيض حكمتك.


فراقك يا والدي، ألمٌ وفجيعة وحزن لن يشعر بها إلا من عاش الفراق، وتجرع مرارته، فأكثر اللحظات ألماً عندما تقف عاجزاً أمام رحيل من تحب.!

كنت يا أبي لدنيانا كالقمر الذي يطل كل مساء، فيضيء عتمة الليل، ويذكرنا بأن الظلام يعقبه نور، والحياة لازالت تزهو بصنوف من الجمال والشهامة والنبل!

لطالما تمنيت يا والدي، أن يعود بي العمر للوراء، لأعيش معك من جديد وأقبل قدميك، فقد ندمت كثيراً على كل لحظة ضيعتها دون أن أراك، وأنعم بقربك وأفوز ببرّك.


تمنيت يا والدي، لو تعود ولو للحظات لأخبرك كم أحبك، وكم أنت غال في قلبي ، وكم كنت نور الحياة وزينتها، وكم هي الحياة تعيسة في غيابك، وكم هي السعادة ناقصة بدونك.! 


وها أنا اليوم أقف عاجزة عن رد جميلك، نادمة على تقصيري معك في حياتك، فلا أملك الآن شيئا لأصلك به سوى الدعاء لك كلما ذكرتك.


فوالله ما طلعت شمسٌ ولا غربت *** إلاّ وذكرك مقرونٌ بأنفاسي.

ولا شربتُ لذيذ الماء من ظمأٍ *** إلاّ رأيتُ خيالاً منكَ في الكأس.

ولا جلستُ إلى قوم أحدثهم *** إلاّ وكنتَ حديثي بين جُلاسي.

ولا ذكرتُكَ محزونًا ولا فـرحًا *** إلاّ وأنـتَ بقلبي بين إحساسي.

ولو قدرتُ على الإتيان جئتُكُمُ *** سعيًا على الوجه أو مشياً على الرّأسِ.

اللهم ارحم ميتاً ما زال في قلبي حيا، اللهم أنزله منازل الشهداء، واجعل مسكنه فردوسك الأعلى، بجوار نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم.

وانزل اللهم على قبره الضياء والنور، والفسحة والسرور، اللهم قِهِ السيئات ( ومن تق السيئات يومئذٍ فقد رحمته.)

إخوتي وأخواتي.. يا بقايا الأحبة ويا رائحة الغوالي:

اغفروا لي إن اثرت شجونكم، وجددت أحزانكم، ولكن نزف قلبي أبى الا أن يحرك قلمي، فينثر آهاتي عبر كلماتي، فلم أستطيع أن أتجاهل ذلك النداء والإلحاح من قلبي، فلو لم أكتب لتفجر صدري من أنين زفراتي..

فلتتسع قلوبكم الكبيرة، لعبرات وآهات أختكم الصغيرة.

الخميس، 3 أبريل 2014

عذراً آل البشري

"عذراً آل البشري.. عجزت كلماتي عن تعزيتكم!"


بقلم: سارة العمري
كاتبة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع.


  
منذ الأحد الماضي، وأنا أحاول الإمساك بالقلم، ولكن يدي تتثاقل، ودموعي تتسابق، وعباراتي تغص بعبراتي.!

فقد فُجعت كما فُجع الوطن بأكمله، من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه.
فُجعنا جميعاً بمصيبة الدكتور اسماعيل البشري وعائلته، بفقد أولادهم الخمسة، إنها والله لهي الفاجعة الكبرى، وإن ذلك لهو البلاء العظيم.

فكأنني بهم ولسان حالهم يقول:

عجبت لقلبي كيف لا يتفطرُ  ***   دهته جنود الحزن والله أكبرُ
فقدت احبائي الذين ألفتهم   ***    وأمسيت وحدي حائرا أتفكرُ
أراعي نجوم الليل في الروم والنوى *** يصارع لي قلبا يغيب ويحضرُ.!

فقد ولد واحد يذوب له القلب كمدا، وتبيّض العين حزنا، كيف لا وربنا عز وجل يخبرنا بحال يعقوب عليه السلام وما ألم به من حزن عندما فقد "يوسف"، وهو النبي المؤيد بالوحي، فكيف بحال غيره من البشر.؟!
يقول تبارك وتعالى: ( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ  وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ )

وهذا رسولنا _صلى الله عليه وسلم_ سيد الصابرين، وأرضى الخلق أجمعين لرب العالمين،عندما دخل على ابنه إِبراهِيم  وهو يجود بنفسه فأخذت عيناه تذرفان.
 فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟! فَقَالَ : ( يَا ابْنَ عَوْفٍ ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الْعَيْنَ   تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى  رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ.) "أخرجه أحمد".

إن الابتلاء بفقد الأحبة من أعظم البلاء، وفقد الولد يأتي في مقدمته، فالأولاد هم فلذات الأكباد، وريحانة الفؤاد، وربيع القلوب، وقرة العيون.!
فيا ربّ لطفك بمن فقدوا خمسة من أولادهم  أمام أعينهم، وهم في زهرة العمر، وريان الشباب.

والله ما فارقت صورة الأب المكلوم عيني، منذ رأيته يتهادى بين رجلين، باكياً حزيناً، وهو يلقي نظرة الوداع الأخير على أبنائه الخمسة  في مقبرة أم الحمام.

وليس الذي يجري من العين ماؤها ***  ولكنها روح تسيل فتقطر.!

ينظر إليهم بحزن وأسى، ولسان حاله يقول: ها نحن بدموع العين ودعناكم، وانصرفنا وتركناكم، ولو أقمنا ما نفعناكم، وربنا قد استودعناكم، والله يرحمنا وإياكم، ويجبر قلوبنا على فرقاكم، وفي الجنة بإذن الله نلقاكم.!

هذا حال الأب المكلوم، فما حال الأم الثكلى.؟
جبر الله مصابهم ورحم اللهم حالهم.

إن قلبي يتمزق وأنا أتساءل: كيف كان وقع الحادث عليهم؟ وكيف تلقوا خبر الوفاة؟
أي أرض أقلتهم وأي سماء أظلتهم؟ أي فضاء وسع آهاتهم، وأي رمال تشربت دموعهم؟! أي خطوات ثقال حملتهم؟ وأي بصر وبصيرة إلى الطريق هدتهم؟!

كيف ودّعوا فلذات الاكباد، ومهُجة الفؤاد، وبهجة الدنيا، وشموع الحياة، والتي إنطفأت فجأة ودون سابق إنذار؟!

فخَلَتِ الدِّيارُ كأنَّها لم تُؤهَلِ*** ومَضَى النَزِيلُ كأنَّهُ لم يَنزِلِ.!

ولكن أعود لأستغفر ربي وأقول قدر الله وما شاء فعل، وأتذكر وعد الله تعالى للمؤمنين الصابرين على البلاء , الراضين بمر القضاء في قوله سبحانه:
( ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ  الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ   وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

عذراً ال البشري..!
فما أملك من الكلمات، وما أحفظه من الأبيات، وما اتذكره من المقولات، وما أردده من العبر والعظات، وما أحاول أن أُنمقه من العبارات، وما أدعيه من فصاحة، وما أتقمصه من بلاغة.!

لا يوازي شيئاً من وجعكم، ولا يمحو ذرة من حزنكم، ولا يواسي جزءاً يسيراً من مصابكم.! ، فلا املك الا أن أتقاسم معكم دموعكم، علها تبلل بنداها قلوبكم المحترقة، وأدعوا لكم بالثبات ولأولادكم بالرحمة والمغفرة.

وأُعزيكم بقول الشاعر:
إني معزِّيك لا أني على ثقةٍ * * * من الخلودِ ولكنْ سنة الدينِ
فما المعزَّى بباق بعد ميته * * * ولا المعزِّي ولوْ عاشا إلى حينِ.!

وأبشركم بهذا الحديث الشريف..
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى _النبي صلى الله عليه وسلم_ بصبي لها، فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله له؛ فلقد دفنت ثلاثة قبله. فقال صلى الله عليه وسلم: ( دفنت ثلاثة؟!” -مستعظمًا أمرها- قالت: نعم، قال لقد احتضرت بحضار شديد من النار ). أي: لقد احتميت بحمى عظيم من النار.!

همسة...!
يقول الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله : تمسكوا بأحبتكم جيداً، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم فقد ترحلون أو يرحلون يوماً، وفي القَلب لهم حديث وشوق.!

واحذروا أن تخيطوا جرآحگم قبل تنظيفها من الداخل..!
[ ناقشوا , برروا , اشرحوا , اعترفوا ]
فالحياة قصيرة جداً، لا تستحق الحقد، الحسد، البُغض، قطع الرحم.!
غداً سنكون ذكرىَ فقط والموت لا يستأذن، ابتسموا وسامحوا من أساء إليكم.!