الاثنين، 12 أكتوبر 2015

"صمت الرحيل أبلغ من كلام المواساة.!"

"صمت الرحيل أبلغ من كلام المواساة.!"     

بقلم: سارة العمري

  
 إن فقد الأولاد ، فلذات الأكباد ، ثمرات القلوب ، مِن أعظم المصائب ، التي تصيب الإنسان في حياته ، فهي والله نار في الفؤاد ، وحرقة في الأكباد ، لهذا كان ثواب الصبر على فقدهم عظيم ، وأجره في الميزان ثقيل.
  
وقد ترقرت عيناي بالدموع، وتجددت في قلبي الشجون، وأنا أشاهد خالي الحبيب، بثبات عظيم يتلقى التعازي في وفاة ابنه محمد.
شامخا كطود عظيم وجبل أشم، نتعلم منه الاحتساب والصبر والقوة، في مواجهة المصائب والأمور الجسام، ويا لكبر فقده وعِظم مصيبته.

بيد أن المؤمن الصابر موعود بحديث رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم :
(إذا مات ولد العبد قال الله عز وجل لملائكته : قبضتم ولد عبدي.؟
فيقولون : نعم . فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول : ماذا قال عبدي.؟
فيقولون حمدك واسترجع . فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد(

يا لها من بشارة عظيمة، أن يُبنى لك بيت في الجنة، يا لها من بشارة عظيمة، أن يبشرك الرسول الكريم بالنجاة من النار وولوج الجنان.



خالي الغالي: نعلم إن مصابك في محمد عظيم، وفراقك له مرير، وقد والله تألمنا لألمك،  وحزنا لحزنك، ومهما قلنا فلن تسعفنا العبارات ولن تكفينا الكلمات، لمواساتك والتخفيف من مصابك، فصمت الرحيل أبلغ من كلام المواساة، وقلب الأب المكلوم لايعلم مابه من حزن الا الله.
وكأني بك وأنت تقرأ كلامي هذا تهز رأسك قائلاً:
يا صبر أيوبَ محتاجٌ لك القلبُ**ويادمعَ يعقوبَ عيني دمعُها سُحْبُ.
فهل “قميصٌ”من المحبوبِ يُرجع لي**نورَ الحياةِ لأمضْيّ باقيَ الدّربُ.؟!

وهنا أقول:
إن مما يهون عليك مصيبتك ويشعرك بالرضا، بعد رحمة الله تعالى، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الآنف؛ هي تلك المُثل العُليا التي ربيت الفقيد الغالي عليها، والسيرة العطرة التي تركها يرحمه الله وأسكنه فسيح الجنان.

شهد البعيد قبل القريب لمحمد بالخير والتربية الصالحة، والبرّ بك وبأمه، والرفق بأخوته وصلته بقرابته.

شهد له الجيران بحسن الجوار، والمحافظة على الصلاة في المسجد، وقد قال من لاينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم:- ( إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ )

كما شهد له أصحابه وزملاؤه، بحسن الخلق ولين الجانب وطيب الصحبة.

وقد بشر المصطفى صلى الله عليه وسلم - من اتصف بهذه الصفات بقوله: ( إن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيامَةِ: أَحَاسِنَكُم أَخلَاقً )
وشهد له جماعته وأقاربه، بالسيرة الطيبة والصفات الحميدة.

ويكفيه لينام قرير العين، راضياً برضاك عنه بعد رضى الله تعالى، شهادتك له وأنت تحكي لنا عنه، بحنان الأب واعتزازه بإبن باراً خلوقاً عطوفاً، 
فنطقت دموعك قبل لسانك بقولك:  لقد كان محمد- رحمه الله- يدخل البهجة والسرور علينا جميعاً، ويغمر الكل بكرمه ولطفه وطيب معشره.!

 قَذىً بعينكَ أم بالعينِ عُوّارُ ** أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدارُ
كأن عيني لذكراهُ إذا خطرت ** فيضٌ يسيلُ على الخدينِ مِدرارُ


ومما يفرح به القلب ويُرفع به الرأس، ذلك العقب الطيب للأصل الطيب، فمن خلّف لم يمت، وقد رأينا أولاد محمد - رحمه الله- كالكواكب المضيئة، جمالاً وأدباً، وحسن تربية، وهذا ليس بمستغرب فالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.!
أقر الله بهم عينك وجعلهم خير خلف لخير سلف.

خالي ووالدي الحبيب:
تدهمنا جميعاً المصائب والكروب، وتتغشانا الأزمات والخطوب، ولكنها الثقة برحمة الله، واستمداد العون منه، ليظل مثلك الجبل الشامخ الذي لاتهزه الريح العاتية.

ولتبقى لنا تلك الشجرة الوارفة الظلال التي نسير تحت كنفها ونستظل جميعاً بظلها.

 وستبقى القدوة والرمز، والمثل الأعلى على الدوام، فأنت البقية الباقية من رائحة الأحبة، وأنت بعد الله الركن الشديد،  والصدر الحنون الذي نأوي إليه ونرتمي بين يديه، إذا حلت بنا النوائب أو نزلت بنا النوازل.