" من حضر القسمة فليقتسم.!"
سارة العمري
توقفت عن الكتابة عدة أشهر ليس لفقر في الأحداث، أو لعجز في الأفكار، أو لنقص في الدوافع..
بل على العكس فالأحداث جسام والوقائع عظام والساحة مشتعلة، والموارد غزيرة.
ولكن النفس قد سئمت من الحديث عن الدماء، والعين رمدت من النظر إلى الأشلاء، والقلب تمزق على قوافل الشهداء، والعقل حار والفكر تشتت، فخارت مني القوى، وجمدت في فمي الكلمات، فما يدور حولنا يجعل العاقل حيرانا والفصيح متلعثما..!
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ،،،
وقد ينكر الفم طعم الماء من سقمِ.
فعن ماذا اكتب وفيما أتحدث وبما أفسر ما أرى وأسمع.؟
فلم أعد أميز الصواب من الخطأ، ولا الحق من الباطل، ولا الظالم من المظلوم، فقد اصبحت فتناً كقطع الليل المظلم، تداخلت فيها الأحداث وعظمت الجراح فماذا عساني أقول:
ألحال حرائر سوريا الثكالى أندب، أم لأطفال غزة اليتامى أنتحب، أم من مناظر جثث مسلمي بورما المتفحمة أتألم، أم على كرامة بلاد الرافدين المنتهكة أتحسر، أم من إختطاف اليمن السعيد أحذر، أم على ديار عمر المختار أبكي، أم لمسلمي الصين أثأر، أم من متصهيني أمتي أستعجب، ولأفعالهم وأقوالهم أشجب!
يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ بين يدي الساعة فِتَنًا كأنها قِطَعُ الليل المظلم؛ يُصبِح الرجل فيها مؤمنًا ثم يُمسِي كافرًا، ويُمسِي مؤمنًا ثم يُصبِح كافرًا، يَبِيع أقوامٌ خَلاقَهم بعَرَضٍ من الدنيا يسير)).
أرعبني تفحم الجثث، و هالني نخر الرؤوس بالدريل وقطعها بالسواطير، ومزق قلبي تطاير الأشلاء ونزف الدماء، وحيرني تخاذل بني الإسلام عن نصرة إخوانهم، وهالني بل صعقني وقوف شرذمة من بني قومي مع العدو ونصرته ضد إخوانهم.!
صدق سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم - حين قال: ((اللهم لا يُدرِكني ولا تُدرِكوا زمانًا لا يُتبَع فيه العليم، ولا يُستَحى فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم، وألسنتهم ألسنة العرب)).!
ما بال أمة الحبيب المصطفى تشرذمت وتناحرت وعلى نفسها تأمرت،؟
أسُتنزفت مواردها، وأُنهكت قواها، تفرقت كلمتها، وضاعت هيبتها، والسبب واضح جلي لاينكره إلا جاهل أو غبي، هان أمر الله عليها فهانت على الله..!
و سكت أهل الحق عن الباطل ، فتوهم أهل الباطل أنهم على حق، فأزبدوا وأرعدوا ولمحارم الله انتهكوا ولدينه ضيعوا.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره خذلنا الله".
ويقول الشيخ عبدالعزيز الطريفي حفظه الله: "لا يحفظ التاريخ أن العرب صار لهم قيادة وسلطان على دول العجم لا بمال ولا قوة إلا بالإسلام فأعزهم الله به، تنقص عزتهم بمقدار نقص دينهم"
وها هي نبوة سيدنا محمد صلى عليه وسلم تنطبق علينا اليوم واضحة جلية..
( يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ )
فهانحن اليوم تعدادنا تجاوز المليار مسلم، ولانملك مقعداً دائماً في الأمم المتحدة، فليس لنا مكان بين الكبار، ولانملك القوة والقرار، فنخطط لأنفسا ونقرر مصيرنا لنكون رقماً صعباً بين الأمم، بل هاهم الأخرين يخططون لنا ويتدخلون في شؤوننا، لذلك لانشكل لهم أي أهمية لأننا بالنسبة لهم رقماً تافهاً لاقيمة له.!
أين رجال هذا الدين ونساءه، أين شبابه وفتياته أين مشاعرهم وغيرتهم على دينهم وأوطانهم.
أين أقلامنا المؤثرة وأصواتنا المسموعة، أين إعلامنا الذي يُصرف عليه المليارات أين هو عن قضايا الأمة، أين سوريا وفلسطين والعراق والأحواز واليمن وبورما، أين هي من إعلامنا المقرؤ والمسموع.؟
أم إن "عرب أيدول و "عرب قوت تالنت" و"أكس فاكتور" و"سوبر ستار" و"ستار أكاديمي و و و و..الخ.
هي من سيجلب النصر للأمة، وترفع مكانتها بين الأمم، وستجعل من شبابنا العلماء والمخترعين والمناضلين،
إن هذه البرامج التي يتابعها الملايين من العرب تساهم في ضياع هويتنا الإسلامية وتمسكنا بديننا، وتتفه إهتمامات شبابنا وتشغله عن قضايانا المصيرية.
لقد سيطرت هذه التفاهات على القلوب والعقول، فلم تعد أبصارنا تشاهد مأسي المسلمين، ولم تعد أذاننا تسمع صرخات المحزونين، ولم تعد قلوبنا تتألم لتتطاير أجساد المصلين.
هاهو الكفر يصول ويجول على كل أرض من أراضي المسلمين، ونحن لازلنا نتجادل ونختلف على توافه الأمور، بين ممانعة ومولاة، وهل داعش وهابية أم صنيعة إيرانية، ونتهجم على بعضنا في وسوم "داعش، وفاحش".!
وقد طبخت القصعة على نار هادئة حتى نضجت، ولم يبقى الإ القسمة فمن حضر القسمة فليقتسم ومن غاب غاب قسمه معه.!