الثلاثاء، 4 فبراير 2014

"فطرتنا السوية" .. من أفسدها؟!

"فطرتنا السوية" .. من أفسدها؟!

بقلم: سارة العمري
كاتبة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع


تابعت خلال الأسابيع الماضية، الجدل الدائر على ساحتنا الإعلامية، ومانتج عنه من تحزبات واتهامات، وتراشق وتحريض، وتفسيق وتخوين.
فأعتصرني الألم على ما آل إليه حالنا من تشرذم وتفرق وتحزب.

وانتابني خليط من مشاعر الشوق والحنين، لذاك الزمن الجميل، الذي كان ديننا فيه هو دين الإعرابي! الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (افلح الرجل إن صدق).

كنا ندين الله بالأركان الخمسة دون تنطع أو تكلف، وبلا تهاون أو تقصير، ونؤمن بالأركان الستة أيماناً كاملاً لايخالطه شك ولاتخيلات عقلية.!

نعبد الله متيقنين بأنه يرانا، فمازال صدى صوت "أمي رحمها الله" في إذني إلى اليوم، عندما أمرتني بالصلاة في طفولتي، فكنت أغافلها أحياناً فاترك الصلاة، لجهلي وصغر سني، فقالت لي بيقين تام: إن تختفين عن عيني فإنك لن تختفين عن عين الله، فاصبحت من يومها أحافظ على صلاتي، حياءً من ربي وليس خوفاً من رقابة أمي.!

وعندما دخلت المدرسة كان أسهل درس حفظته وطبقته، هو درس الإحسان، والفضل بعد الله لفطرة أمي السوية، لا لفلسفة معلمتي العقائدية.!

ذلك الزمن الذي كان فيه كلام شيخنا علي الطنطاوي رحمه الله، وحديثه العذب ولغته البسيطة الجميلة، هي غذاء أرواحنا، وفتاوى التيسير والترغيب، والسماحة والبشر، للشيخ عبدالعزيز المسند، في برنامجه الشهير "منكم وإليكم" هي دليلنا عندما يشكل علينا أمر من أمور ديننا، وخطبة الجمعة "لخالي رحمه الله" في مسجد قريتنا المتواضع، هي درسنا الأسبوعي، الذي يشرح لنا فيها تعاليم دين محمد _صلى الله عليه وسلم_ ومحجته البيضاء النقية، بعيداً عن الخوض في دهاليز السياسة، أو التحذير من حياكة المؤامرات الخارجية، أو الإشارة إلى التحزبات الداخلية.!

ذلك الزمن الذي كنت اتصفح فيه كتاب التاريخ لأخي الأكبر، فأقبل صورة الملك عبدالعزيز، والملك خالد والملك فهد_رحمهم الله_، بكل حب وولاء فوالدي غرس في قلبي حبهم والولاء لهم، وأخبرني بأنهم بمثابة أجدادي وأبائي فهم ولاة أمرنا الذين وحدوا الوطن، وسهروا على راحة المواطن.

ذلك الزمن الذي كان أبناء قريتي الصغيرة، يتعايشون بكل حب ومودة وإخاء، ويتعاملون مع من يفد إليهم كضيف مكرم، فقد وفد إلى قريتنا عشرات المعلمات مع محارمهم، من الجنسيات العربية المختلفة، فاسكنوهم في بيوتهم،  واطعموهم من مزارعهم، واكرموهم ايما إكرام، وتعايشوا معهم بكل محبة وسلام، فلا أنسى في موسم الحصاد، حين كان والدي رحمه الله يملأ السلال بالفواكه، ويرسلها لتلك العوائل الوافدة.

وحكاية والدي مع أول سائق يقدم للأسرة حكاية أخرى.؟!
فقد دعا أهل القرية، وأقام وليمة على شرف السائق الأسيوي، وعندما تحرجنا من فعله وقلنا أنه مجرد سائق أجنبي.!
رد غاضباً: أليس ضيف دخل بيتنا.؟!

ولا أنسى أولئك الأغراب الذين دخلوا قريتنا، فأثاروا دهشتنا بأشكالهم الغريبة، وأحجامهم الصغيرة ولغتهم الغير مفهومة، وتصرفاتهم المثيرة!؟
إنها العمالة الكورية، التي تعمل في شركة الكهرباء، ومع ذلك فقد استقبلهم أهل القرية بالترحيب، وكانت كل عائلة تصنع لهم طعام الغداء يوماً، وهم يدينون بغير ديننا ومن بلد غير بلادنا ويتحدثون لغة لانفهمها.

ولكننا تعايشنا معهم كما تعلمنا من سنة رسولنا _عليه أفضل الصلاة والسلام_ (في كل كبدٍ رطبة صدقة) (فإمرأة دخلت النار في هرة حبستها ولم تطعمها)
(وبغي دخلت الجنة في كلب سقته) فكيف بإنسان مثلنا.؟

لقد تعايشنا في قريتنا وهكذا كانت جميع مناطق بلادنا وقتها، تعايشنا بأخلاق المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ الذي خاطب الكافر الذي يخالفه في الرأي والمعتقد، ويساومه على دينه بقوله: "افرغت ياعم".؟
وزار إبن اليهودي الذي أذاه، وبايع النساء وأجار من أجرنّ، ولاعب الصغير ومازح العجوز، وتجول مع النصراني في أرجاء المدينة، دون أن يخشى إنتقاد أو نقد! حتى أدخله بيته وأجلسه على فراشه.!

هكذا كانت فطرتنا وهكذا عشنا بسامحة ديننا، عندما لم يكن بيننا متشدد متطرف، (يمرق من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)، يستبيح دماء المسلمين وأعراضهم.!

هكذا تعايشنا بحب فارتقت أنفسنا فلم نشتم، ولم نخوّن، ولم نتهم بعضنا بالعمالة والتبعية لدولة أو حزب ما، عندما لم يكن بيننا إقصائي متغطرس، ينادي ويعمل على إقصاء الأخر، على منهج ابن سلول "لأن رجعنا إلى المدينة ليخرجنا الأعز منها الأذل".!

هكذا تعايشنا حينما كان همنا طاعة ربنا، والعمل على بناء وطننا، فتربينا على الولاء لدولتنا، والحب لكل فرد من أبناء وطننا، والتعايش بسلام مع كل ضيف يسكن أرضنا ويتنفس هواء بلادنا.

وإني لأرثي لحالنا اليوم، فقد اصبحنا في وطننا أحزاب وجماعات، هذا أخونجي يتبع لولاية المرشد! وهذا جامي يحابي السلطان! وذاك ليبرالي يتبع البيت الأبيض! وآخر علماني "سيسي" يسعى لعلمنة الدولة.!

فحتى على مستوى أسرتي الصغيرة، التي لايتجاوز عدد أفرادها الستة، أنقسمنا في وقت من الأوقات دون أن نعي، إلى حزبين إخوان وفلول.!!

وعلى مستوى عائلتي الكبيرة، عندما أُناقش إحدى قريباتي في موضوع ما، فجأة  يظهر تأثير ساحتنا الوطنية، ومايدور فيها من جدل وتحزب، على نقاشنا، فتقول دون شعور هذه غلطتكم أنتم التيار المتشدد.
وأرد بل هي مسؤوليتكم أنتم الليبراليين .!!

أحد أقاربي أختلف معه في الفكر ويختلف معي، يسألني يوماً متألماً، من وجهة نظرك هل ترينا مسلمين؟!!

لاحول ولاقوة الابالله، أوصل بنا الحال إلى هذه الدرجة من الشك والتشكيك في المعتقد، بسبب الحزبية البغيضة، ومانشاهده ونسمعه ونقرأه يوميا، عبر وسائل الإعلام المختلفة، من جدل عقيم وتراشقات بالتهم، وطعن في الذمم.؟

أيها العقلاء..؛ لنقطع الطريق على من يريد ضرب المجتمع ببعضه، وندع الحساب على النوايا لعلّام الخفايا، ونحيل من يطعن ويتطاول، بالأقوال والأفعال، على مقدساتنا أو ذواتنا، لحكم القضاء، ولنتنادى جميعاً إلى كلمة سواء، هدفها عدم المساس بالثوابت، والعمل على الإرتقاء بالوطن، وإن إختلفت أفكارنا وتوجهاتنا.!